في نقاش مع بروفيسور أمريكي مؤخراً، يقول لي بأنه يدرك تماماً أبعاد أي لعبة سياسية، فالتجمعات والأحزاب أبداً لم تكن في يوم ما تتحدث عن مشاكل الشعوب أو همومها، بقدر ما تتخذها ذرائع لتحقيق مكاسب للحزب نفسه.
يصفهم بـ»المنيبيولتيرز»، أي المتلاعبين بالناس وبمشاعرهم كأدوات وألعاب عبر دغدغة المشاعر، وهذه آلية معروفة منذ القدم في مجال السياسة، فلن تجد -بحسب قوله- سياسياً يتكلم بصراحة أو يتحدث بشفافية، وأصلاً من الجنون أن تجد من يشتغل في السياسة يكلمك بصراحة ويكشف عن أهدافه.
الشعوب منذ زمن طويل هي «حصان طروادة» الذي يستغل في مثل هذه الصراعات والسجالات، الكل يتحدث باسم الشعب، والكل يقول بأن حراكه لأجل الشعب، والكل يقول بأنه يعمل لأجل صالح الشعب، لكن الحقيقة الصرفة تقول بأن الجميع «يستغل الشعب»، لأن الرقم الذي يمثله الشعب مهيب، ولأن الثقل الذي يعكس يقلب الموازنات.
لا أقول انظروا للبحرين فقط، بل لعموم القضايا والسجالات في العالم العربي، ستجدون أن المتضرر الأول والأخير من أية صراعات هو الشعب ولا أحد غيره، هناك من ينتصر ويتحصل على مكاسب في جانب الأحزاب وحتى الحكومات، وهناك من سيخسر وسيظل يحاول ويحاول، لكن من سيدفع الضريبة وعلى امتداد سنوات قد تمتد لعقود هو الشعب، فهو من سيضطر للتأثر بأي تغيير يحصل، أو تبديل يقر، إذ في المجتمعات العربية التغيير يعني «تصفير العداد» يعني إلغاء الماضي بكل حقبه وإبداله بمستقبل قد يكون أسوأ مما كان، ولكم في العراق مثال صريح.
بإمكان الشعوب وبكل بساطة أن تكتشف زيف الادعاءات، خاصة من قبل الجماعات التي تحاول كسبها لصفوفها وتسويق شعاراتها عليها، سهل جداً ذلك، فقط يقتضي إقران الحراك الذي يقومون به باسم الشعب، مع مصلحة الشعب وما يريده الشعب فعلياً، والنتيجة ستكون بأن الشعب مطلوب منه أن «يموت» حتى تتكسب هذه الجماعات والأحزاب من ورائه، بعضهم يبيع ويشتري في الجثث، وبعضهم يسوقها إعلامياً، وبعضهم يوغل الصدور أكثر ويدفع بالشباب بشكل أقوى للموت، فهم في النهاية أرقام تخدم قضيته، وحين يقول إنه يمثل «الشعب» فهو يستقوي بأعداد بسيطة مقارنة بعموم الشعب، لكن كيف ينهض الشعب كله ليضربه على رأسه ويقول بأنه لا يمثله، طالما كانت الفئات التي تريد الحديث والتعبير تمارس عليها ممارسات الترهيب والترويع، ولا تملك في المقابل خطوط وصول حتى للإعلام الدولي وبعض المنظمات المسيسة أصلاً وذات الأجندات المفضوحة.
حتى الحكومات وللأسف تمارس هذا الدور، فهي حينما ترفع شعارات معنية بالشعب عليها أن تقوم بأفعال لتحققها من أجل الشعب، لا أن تستخدم الشعارات كاستهلاك إعلامي، ولا لتستخدمها كدلالة على وجود اهتمام وصدور توجيهات بذلك. المعيار هو ما يحصل على الأرض، وهل بالفعل الشعب هو رابح فيما يحصل، أم هو خاسر في جميع الأحوال.
الشعوب إن كانت واعية فهي بالضرورة تنتفض وتتمرد على الجهتين، على أحزاب وفئات وجماعات تستغل اسمها، وعلى أنظمة تعدها على الورق وفي التصريحات فقط، يظل الذكاء بالقيام بالدور الصحيح من أي طرف، وهو أن يتم تطبيق كل الوعود والشعارات فعلياً من خلال أفعال على الأرض تحقق فائدة الشعب وتلبي تطلعاته، حينها يعرف الشعب تماماً من هو صادق معه ومن يضعه أولاً كهم وهدف وطموح.