ليس منطقياً أن يكون السواد الأعظم من المترشحين للانتخابات النيابية والبلدية من غير تواصل مباشر مع الناخبين، وهي الظاهرة التي كانت محل انتقاد واسع تجاه أعضاء المجالس النيابية والبلدية المتعاقبة منذ العام 2002.
البيانات المتوافرة تشير إلى أن أكثر من 380 مترشحاً لم يفتحوا مقارهم الانتخابية والمتبقى على فترة الدعاية الانتخابية أقل من أسبوعين، فكيف يمكن أن يقنع هؤلاء الناخبون بجدوى انتخابهم، ويقومون بالتعريف ببرامجهم الانتخابية؟
البعض يرى أن كثيراً من المترشحين انشغل بحملته الانتخابية من أجل وضع الإعلانات، وتوزيع المطبوعات أكثر من اهتماهه بلقاء الناخبين والتعريف بنفسه وبرنامجه، والتعرف على احتياجات الناخبين وتطلعاتهم. وبالتالي هناك قطيعة مبكرة بين الناخبين والمترشحين من الآن، وحتى قبل التصويت في الاستحقاق المقبل.
هناك من يبرر سبب عدم فتحه مقره الانتخابي من المترشحين بأنه على تواصل دائم مع الناخبين، والبعض الآخر يرى أنه لا يوجد مكان لإقامة مثل هذا المقر، ومنهم من يرى ضرورة توفير تكاليف المقر الانتخابي بأنشطة دعاية انتخابية أخرى. جميع هذه الأسباب مردود عليها، والناخبون يتطلعون لتواصل وتفاعل مباشر مع مترشحيهم.
الإعلام الإلكتروني كوّن فضاءً بديلاً للمترشحين للتفاعل مع الناخبين، ولكنه بلاشك لا يكفي، فالكم الهائل من البيانات التي يتم تبادلها على مدار الساعة في هذا الفضاء الواسع لا يعد بديلاً عن التواصل والتفاعل المباشر بين الطرفين.
قد يكون السبب الرئيس الذي أدى إلى عدم قيام المترشحين بفتح مقارهم الانتخابية هو ارتفاع التكلفة بسبب ارتفاع المنافسة، فلم تعتد الدوائر المختلفة هذا الكم الهائل من المترشحين، ومعظمهم اهتم أكثر بكيفية الانتشار الإعلامي والحضور في مختلف المناطق أكثر من اهتمامه بالتفاعل مع الجمهور نفسه.
لهذا نتوقع أن تكون هناك أزمة ثقة بين الناخبين والمترشحين بعد انتهاء الانتخابات ووصول النواب والبلديين الجدد. ففترة الدعاية الانتخابية هي التي اعتاد الناخبون التواصل والتفاعل فيها مع المترشح، وبعد أربع سنوات تكون هناك أزمة التواصل المعروفة والتي تستمر علــى مدى الفصل التشريعي أو البلدي.
هذه الظاهرة مهمة، لأن عدم التواصل والتفاعل بين الطرفين الآن يشير إلى ملامح الأداء المرتقب في السلطة التشريعية والمجالس البلدية، وإلى طبيعة العلاقة المحتملة بين الناخبين وممثليهم، وإذا لم يتم تدارك الظاهرة حالياً سيكون من الصعب تداركها لاحقاً. والمعطيات لا تشير إلى احتمال معالجة هذه الظاهرة من قبل المترشحين أنفسهم، وهو ما سيكون له الأثر السلبي قريباً.