الخميـــس الماضـــي نفـــذ أولئــك الذيــن يصنفون أنفسهم على أنهم «ثوار» العديد من العمليات في العديد من القرى والمدن، لم يكونوا في حاجة إلى سبب، يكفي أنه «الويك إند» ويكفي أن الوفاق شحنتهم بعد منع انعقاد مؤتمرها في نادي العروبة لاعتبارات قانونية تتعلق بأن هذا النادي لا علاقة له بالفعاليات السياسية.
أخبار تلك العمليات كانت تصل الجميع عبر الواتسب والتويتر والفيسبوك، فقد كانت التغطية تتم أولاً بأول لتصل إلى الخارج قبل الداخل، ولتتعامل معها الفضائيات السوسة كما ينبغي. أما اللافت في كل تلك الأخبار فهو ذلك الذي جاء على شكل تغريدة ملخصها أن «ثوار بلدة كذا» يقطعون الشارع العام «بكل سلمية»! فقد كانت عبارة «بكل سلمية» بالفعل لافتة لأنها تماثل عبارة «سرقتك بكل إخلاص» أو «شتمتك بكل أدب» أو «بصقت في وجه فلان بكل احترام».
التغريدة نشرها تيار الوفاء الإسلامي في حسابه على التويتر، وأرفق بها صورة لإطارات سيارات تم إشعال النيران فيها وأدى ذلك بالطبع إلى تعطيل الحياة وتعريض مستخدمي الشارع إلى الخطر. عمل وكلام فيه استهزاء بالناس لا يمكن قبوله أبداً، فكيف يمكن أن يكون اختطافك للشارع بإشعال النيران فيه قد تم «بكل سلمية»؟ فهل تم الاستئذان من قادة المركبات مثلاً؟
اختطـــاف الشوارع وأي اختطاف عمل غيـــر سلمي، وتعطيل حياة الناس وتعريضهم لشتى أنواع المخاطر لا علاقة له بالسلمية لا من قريب ولا من بعيد، وهو عمل مجرم وفاعلوه يعلمون بهذا بدليل أنهم يغطون وجوههم بالأقنعة وبدليل أنهم يتعرضون للعقوبات لو وقعوا في يد المعنيين بالأمن حيث يتم تحويلهم إلى النيابة العامة التي تحقق معهم قبل أن تحولهم إلى المحكمة ليأخذوا جزاء فعلتهم المنكرة هذه.
لا يمكــن لأحــد أن يلـوي يد الدولة، هـــذه حقيقة ينبغي أن تدركها «المعارضة» بأنواعها، فالدولة -أي دولة- لا يمكن أن تنصاع لمثل هذه الممارسات الخاطئة مهما كانت الأسباب وإلا لا تستحق أن يطلق عليها اسم دولة. الدولة نظام وجيش وأجهزة أمنية واستخباراتية ووزارات مسؤولة وشعب، ولا يمكن لمجموعة مهما كبرت وحصلت على السند والدعم من الخارج أن تلوي ذراع الدولة أو تفرض عليها ما تريد.
الأحـــزاب أو الجمعيـات السياسية تحصـــل مــن الدولــة علــى مطالبهــا مــن خــلال المجالــس التشريعيــة والعمــل السياســي ومختلف الأدوات التــي تتيــح لهــا التحــرك والأخذ والعطاء من دون التجاوز والإضرار بالآخرين، لكنها لا يمكن أن تحصل على أي شيء من خلال تلك الممارسات المرفوضة من الناس جميعاً، بل أنه لا يمكن إعفاؤها من المسؤولية طالما أنها لا تستنكر مثل هذه الممارسات ولا تدعو من أعطتهم الضوء الأخضر إلى التوقف عنها.
المواجهات التي حدثت الخميس مع رجال الأمن الذين اضطروا إلى التعامل مع المتجاوزين بما يحدده القانون أساءت إلى «المعارضة» أكثر مما نفعتها، بل إن منفعتها معدومة؛ حيث المتضرر الأكبر منها هم الناس الذين لا علاقة لهم بما يحدث وحمايتهم مسؤولية الجميع.
ما حدث ذلك اليوم ويحدث في نهاية كل أسبوع وفي كل إجازة من أعمال فوضى وتخريب لا توصل «المعارضة» إلى مفيد، وبالتالي لا بد من التوقف عن هكذا ممارسات وهكذا أسلوب، فما يقوم به أولئك الذين تغض الجمعيات السياسية الطرف عنهم وعما يعملون وتساعدهم «من تحت لتحت» لا يورث إلا المزيد من تعقيد المشكلة، لأن الدولة لا يمكن أن تنصاع لأفراد يمارسون عمل العصابات.
الدولة تتعامل مع من يشتغل سياسة، لهذا تأمل من الجمعيات السياسية أن تكف أذاها وأذى من تحميهم وتحتمي بهم عن الناس وتتفرغ للعمل السياسي الذي لا يمكن إلا أن يكون سلمياً.