خيار الدولة في البحرين أن تبقى في «المنطقة الرمادية» في تعاطيها مع مكملات ودعائم الإرهاب وفي تعاطيها مع السياسة الأمريكية الداعمة لأجنحة الإرهاب من أخطر القرارات على أمن وسيادة البحرين، ولا تتناسب أبداً لا مع ظروفنا الحالية ولا مع الظروف الإقليمية، خاصة وحرائق الإرهاب تمتد إلى دول الجوار!
ما عاد ممكناً التعامل بالتورية السابقة، وبادعاءات السذاجة وعدم الفهم مع السياسة الأمريكية الخارجية تجاهنا، المشروع الأمريكي مازال قيد التنفيذ في البحرين بسبب هذه المواقف الرمادية، وإن بقي مسمار جحا موجوداً في البحرين «الوفاق» واستمرت البحرين بتصنع السذاجة وعدم الفهم فإن المشروع سيظل قائماً وفرص تحقيقه لم تستنفذ بعد.
خسرت الدولة أكبر وأضخم زخم شعبي منحها تفويضاً كاملاً لتنقذ به الدولة من أخطر ما هدد وجودها طوال تاريخها وتنهي حقبة من حرب استنزفت طاقتها على مدى ثلاثة عقود ماضية، بلغت ذروتها في الأعوام الأربعة الأخيرة العام الماضي، بعد الجلسة الطارئة التي عقدها المجلس الوطني، وضيعت فرصة ذهبية كانت بين أيديها، وتكرار الخطأ هذا العام من جديد هو ضربة قاصمة لهذا الالتحام، فهذا الالتفاف الشعبي الكبير الذي منح التفويض مرة أخرى للقيادة لن يتكرر إذا تهاونت البحرين مرة أخرى في كرامتها وسيادتها وأمنها. إن قرار طرد نائب وزير الخارجية مع صدور حكم محكمة التنفيذ لحل المجلس العلمائي أحيا الآمال من جديد بخروج البحرين من المنطقة الرمادية وانتقالها لمنطقة الحزم، وأي تراجع هذه المرة سيترك مسافة كبيرة بين أصحاب القرار والزخم الشعبي من الصعب استعادتها. جميع الدول أخذت إجراءات حازمة وحاسمة مع تلك الجماعات وانتفضت عليها حفاظاً على أمنها واستقرارها وقطعاً لدابر الفتنة ومواجهة لهذا المشروع المدعوم أمريكياً وإيرانياً، جميعها أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية عند حدها وأصدرت قرارات بحظر تلك الجماعات، إلا البحرين، إلا البحرين التي اختارت سياسة المنطقة الرمادية، مترددة تأمل وتتمنى أن يهدي الله الإدارة الأمريكية وتقتنع أن «الوفاق» ليست شريكاً إصلاحياً ولا ديمقراطياً ولا مدنياً وإنها لا تملك قرارها بيدها، وأنهم مجرد خدم لرجل دين هو الآخر خادم لخامنئي، فتتخلى عن مشروعها وتترك البحرين في حالها، بذلت البحرين جهوداً مضنية على مدى أربعة أعوام لتذكير الإدارة الأمريكية بأن البحرين هي الدولة ذات التجربة الديمقراطية المتميزة في المنطقة التي امتدحتها قبل 2011، وهي الدولة ذات النمو الاقتصادي الواعد التي وقعت اتفاقية التجارة الحرة معها والتزمت بشروط استحقاقاتها، وهي الدولة المتميزة ذات السمة المدنية المتطورة في المنطقة التي تحفظ الحريات الشخصية والتعددية والتعايش السلمي، وهي الدولة ذات العلاقة التاريخية الثنائية، طالبتها بالحسنى بعدم التدخل في شؤونها، لكن النتيجة كانت أن أمريكا فهمت هذه الرسالة خطأ، وختمتها بأن أرسلت لها أمثال هذا الصفيق الذي اصطدم مع البحرين أكثر من مرة في الأعوام الأربعة الأخيرة وتعامل مع البحرينيين كأنهم تابعون له، هذه رسالة واضحة هم أرسلوها، وعموماً ما هو سوى موظف ينفذ تعليماته بدقة، لم تشفع للبحرين كل تلك المقدمات كي تستثنى البحرين من المشروع والمخطط، نسيت البحرين أن كل تلك المقدمات معروفة لدى الاثنين «أمريكا وإيران» ورغم ذلك وضعت الولايات المتحدة الأمريكية البحرين على خارطة الطريق الشرق الأوسطي الجديد وتحالفت مع جماعة المرشد الإيراني من أجل إحداث التغيير دونما رحمة ولا شفقة ولا شفاعة، ودونما اعتراف بسيادة هذه الدولة ولا بكرامة شعبها، بل وتعرف الإدارة ماذا يعني إرسال هذا الصفيق فتاريخ علاقته بالبحرين غير مشرف ومع ذلك أرسلته لتجس وجود نبض من الكرامة متبقٍ لدى هذه الدولة الصغيرة من عدمه!
اليوم بعد حل المجلس العلمائي ووصول القرار لمحكمة التنفيذ، وبعد الموقف الشجاع الذي أرسلت به البحرين رسالة قوية للإدارة الأمريكية، وتداولته كل صحف العالم، أي تراجع، أي تهاون، أي عودة للمنطقة الرمادية هو خطأ جسيم بل قاتل لن يعيدنا إلى المربع رقم واحد بل سيقضي على سمعة البحرين محلياً وإقليميا ودولياً، وسيفتح الباب على مصراعيه، لتكون جماعة المرشد الإيراني هي سيدة الموقف.
سنشهد هذه الأيام كل أنواع التهديد والوعيد من قبل الاثنين «جماعة المرشد» والولايات المتحدة الأمريكية، سنشهد كل صور التحدي للدولة، انظر للصورة التي تصدرت الصفحة الأولى للوسط الذراع الإعلامي للمرشد الإيراني، فتح عينك أزل هذه الغشاوة تلك الصورة هي رسالة تحدٍّ لك، سنشهد تحدياً للقرار واستهانة به من قبل الحليفين، الأمريكان يقولون النائب باقٍ في البحرين، إنها المحاولات الأخيرة التي سيجربها لإنقاذ مشروعهما الذي أفشلته مصر بفرض إراداتها وأبقت البحرين عليه بترددها.
تابع خطاب الاستهزاء بالدولة والوطن والجيش والقيادة والشعب، الذي حفلت به منابر هذه الجماعة البارحة، كلها محاولات لإنقاذ المشروع المترنح.
القرار الآن ليس في يد الإدارة الأمريكية ولا في يد جماعة المرشد، القرار الآن في يد مملكة البحرين وفي يد أعلى السلطات تحديداً. إما بالخروج من المنطقة الرمادية ومواجهة الإرهاب بكل أجنحته والبحرين كلها معك، مواجهة قانونية تحظر فيها جميع أجنحة هذه الجماعة دون استثناء واستكمال إجراءات الحظر خاصة بعد أن أقرت الأجنحة بالتكامل مع الإرهاب، ومواجهة صفاقة الولايات المتحدة الأمريكية بفرض إجراءاتنا السيادية وفرض احترامنا عليها، وإما بالعودة للمنطقة الرمادية، لتبقى البحرين ذليلة إلى ما لا نهاية تعيش حالة التردد والتلعثم والاستمرار بآلية «التمني والترجي والأمل والحوار» لتبقي البحرين في حالة الاستنزاف المستمرة منذ أربع سنوات إلى أجل غير معروف، وتعلن أنها مستعدة للموت البطيء بانتظار المعجزات.