قامت المقاومة بتوسيع دائرة الرد فأطلقت صواريخها التي تساقطت على كل المستوطنات والمدن القريبة حتى وصلت إلى القدس المحتلة وتل أبيب
غزة تدافع عن حريتها وكرامتها وصمودها، غزة تخوض حرباً قاسية وتصد العدوان الوحشي الواسع نيابة عن الجميع في فلسطين، ومن أجل فلسطين الواحدة، لأن المقاومة في غزة تؤمن بأن الحرية قادرة على استحضار اللحظة التاريخية إلى واقع أهل القطاع والضفة معاً، في زمن صياغة المستقبل الواحد الواعد القادر على تحقيق إقامة الدولة وتقرير المصير.
ما يحدث اليوم على أرض غزة وحولها، وما سبق من اعتداءات إسرائيلية هي بمثابة سلسلة من الحروب المحدودة تهدف إلى تجويع وتركيع الشعب الفلسطيني، في وقت رفضت فيه الحكومات الإسرائيلية، ولاتزال، تحقيق السلام العادل الشامل، لأن الإسرائيليين اعتقدوا حتى اقتنعوا بأن قيام دولة فلسطينية مستقلة يهدد وجود دولة أسرائيل.
وهذا الواقع قاد إسرائيل إلى عزلة دولية، لأن العالم بدأ يسأل عن الدولة الفلسطينية وعن سبب عرقلة المفاوضات وإيقافها بل نسفها عبر استمرار النشاط الاستيطاني، ورفض إطلاق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وعدم قبول إسرائيل بالعودة إلى حدود ما قبل يونيو 1967، وبالتالي عجز القيادة الإسرائيلية عن فهم الواقع كما هو، وفشلها في التقاط اللحظة التاريخية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في ظل هشاشة الواقع العربي.
واليوم المشهد واضح والعدوان واضح والأمر لا يحتاج إلى الكثير من العناء للفهم في غياب الغموض، فالحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ورغم خلافاتها الداخلية قررت شن عدوان جوي وبحري واسع على القطاع تحت شعار ضرب البنية الصناعية والعسكرية للمقاومة في غزة، مع التصريح المسبق بعدم القيام باجتياح بري، استجابة لتحذير بعض الوزراء في حكومة نتنياهو من الانزلاق باتجاه شن حرب جديدة واسعة ضد غزة لأسباب إقليمية ودولية، وبسبب الخسائر المتوقعة لشن مثل هذه الحرب غير مضمونة النتائج.
بالمقابل قررت فصائل المقاومة في القطاع بالرد على العدوان بكل الوسائل المتاحة، وقامت المقاومة بتوسيع دائرة الرد فأطلقت صواريخها التي تساقطت على كل المستوطنات والمدن الإسرائيلية القريبة، حتى وصلت إلى القدس المحتلة وتل أبيب، وقد تتوسع العملية إلى ما هو أبعد من تل أبيب، أي إلى ما بعد بعد تل أبيب، إضافة إلى اعتماد أساليب فاجأت الجيش الإسرائيلي، مثل امتلاك صواريخ مضادة للطائرات تستخدم في غزة لأول مرة، إضافة إلى إطلاق موجات مكثفة من الصواريخ أرض - أرض متوسطة المدى نجحت في اختراق القبة الحديدية.
الحقيقة أننا عرفنا متى بدأ العدوان، ولكن لا أحد يستطيع التكهن متى وكيف سيتوقف، رغم أن الصحف الإسرائيلية قالت عبر استفتاء شارك فيه جمهور كبير من الإسرائيليين إن 47% يعارضون الاجتياح البري للقطاع في مقابل 37 فقط أيدوا العملية البرية. أما داخل حكومة نتنياهو فهناك أصوات هستيرية ضاغطة تطالب بإعادة احتلال القطاع، وفي مقدمتها وزير الخارجية ليبرمان من حزب إسرائيل بيتنا، ووزير الاقتصاد فيتالي بينت من حزب البيت اليهودي، ولكن نتنياهو يخشى أن تكون أهداف رفاقه في الوزارة مجرد توريطه في مستنقع غزة لأسباب انتخابية.
ويبقى الفصل الأخر المنتظر من مسلسل عمليات الرد على العدوان، وهو ما حذر منه بعض وزراء نتنياهو من غير المتحمسين للحرب الآن، وأعني انطلاق الانتفاضة الثالثة في فلسطين التاريخية، لأن من المتوقع أن يشارك فيها الفلسطينيون في الجليل والنقب والمثلث.
ولكن حتى الآن نستطيع القول إن العدوان مستمر ويتوسع، يحاول الجيش الإسرائيلي إصابة أكبر عدد ممكن من الضحايا المدنيين، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف الأحياء السكنية بزعم أن مصانع الأسلحة تتواجد تحت المدارس والمساجد والمساكن، بهدف الضغط على القيادة السياسية لحماس، وبانتظار وساطات إقليمية ودولية لوقف الحرب بعد توجيه ضربة موجعة.
بالمقابل تقوم فصائل المقاومة بعمليات الرد والصد، وقد تنجح بتوجيه ضربة موجعة لحكومة نتنياهو العاجزة عن تحقيق مكاسب على الأرض، وهو الصمود الذي سيكون له ارتداداته داخل الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فإسرائيل أصبحت مكشوفة بلا ديمقراطية ولا إنسانية ولا أخلاق، ولأن العدوان لم ولن ينجح في كسر روح المقاومة أو كسر إرادة الشعب الذي يدافع عن حريته وكرامته ومستقبله وحبه للحياة.
- عن جريدة «الرأي» الأردنية