أصبحت لغة العنف من أقوى الوسائل التي تتمسك بها الكثير من الشعوب والمنظمات المعارضة في العالم العربي، وعلى إثر ذلك أوحتى قبل ذلك، أصبح العنف من أكثر المظاهر التي تستخدمها الكثير من الأنظمة والشعوب العربية، وسواء كانت ردود الأفعال العنيفة هي نتيجة حتمية لما تقوم به بعض الأنظمة أوما تقوم به بعض الشعوب ومن يسبق من في ابتداء العنف؛ إلا أنه بات سمة عربية بامتياز.
أنظمة لم تستطع أن تستجيب لمطالب شعوبها بالطرق الديمقراطية الحديثة، وشعوب لم تصل لمستوى الوعي في رسم أهدافها وبرامجها السياسية بوضوح بعد وصولها للحكم، وبهذا كان الإخفاق هو الحالة المشتركة بين أنظمة وشعوب غير قادرة جميعها على تجاوز المرحلة الراهنة، ولهذا وقعوا في دائرة العنف والعنف المضاد.
نحن نقر أن هنالك أنظمة دكتاتورية صارخة في الوطن العربي، لكن بكل تأكيد هنالك معارضات أشد دكتاتورية من تلك الأنظمة، وهذا ما بدا جلياً في سلوكياتها بعد الربيع العربي.
لم ولن يختلف أحد في كون «القذافي» دكتاتوراً شرساً للغاية، وأنه أذاق الشعب الليبي كل أصناف الحرمان والقهر والاضطهاد، لكن كلنا يؤكد أن «القذافي» كذلك برزت في عهده نهضة عمرانية طبيعية، فبنيت المطارات والمستشفيات والجامعات والمنشآت النفطية، لكن بعد سقوط القذافي، وحين تمكنت الفصائل المسلحة المعارضة -الإسلامية منها على وجه التحديد- في الوصول إلى مصدر الصراع السياسي داخل السلطة أو خارجها، قامت بتدمير المطارات والمشافي والطرق والمدارس وتفجير أنابيب النفط وكل ما له علاقة بالنهضة العمرانية، بل وقامت بتصفية خصومها بطريقة دموية، ومن هذا المنطلق فإنها مارست من الدكتاتورية ما لم يمارسه القذافي نفسه.
ما زالت الشعوب العربية المنتفضة ضد الدكتاتوريات، ولهذه اللحظة، لا تستطيع أن تميز بين الحاكم وبين النظام العام، فهي حين تسقط الحاكم تسقط معه أيضاً كل ما له علاقة بالنظام العام، فتقوم بالاعتداء على الحريات العامة والممتلكات العامة وحتى على إشارات المرور.
هذه العقلية التي تفضي إلى العنف بعد كل خطوة نحو التغيير لا يمكن أن تكون العقلية الجديرة بالحكم بعد انتهاء حقبة الدكتاتورية في الوطن العربي، لأنها باختصار شديد تنتج عبر نفسها ومشاريعها الفوضوية دكتاتوريات أشد غلاظة وبشاعة من سابقاتها.
إن الجماعات المعارضة لم تستطع أن تقدم مشاريعاً نهضوية في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي بطريقة حضارية، بل كل ما استطاعت عمله هو أنها شقت نصف الطريق؛ فأسقطت الحاكم فقط، لكنها لم تأتِ بالمشاريع الناجزة التي يمكن أن تحل بديلاً للفساد والظلم والتمييز، كما أنها فشلت في معالجة مشاكل الفقر والبطالة والتعليم والصحة وغيرها، بل على العكس من ذلك فقد جاءت بمشاريع دموية وإقصائية، ربما لم تمارسها كل الأنظمة العربية الفاسدة قبلها، فكان نتاج هذا الأمر أن غاصت الشعوب في وحل حروب ومحن وغصات داخلية، لم تستطع حتى هذه اللحظة من تلمس معنى الفرح أو حتى الابتسامة، والسبب هو في معالجة المنظمات المعارضة - وأكرر هنا الإسلامية منها تحديداً- العنف بعنف مضاد، ربما وصل في كثير من مراحله إلى حروب إبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية، والأدهى من كل ذلك كيف باركت الجماعات الإسلامية هذا الفكر المعارض المتطرف وكيف غذته ومولته؟
.. للحديث بقية