ليــــس عــدلاً لجوء أهل القـرى إلــى البكــــاء والنحيب أو الاحتجاج ونثر الاتهامات يمنة ويسرة إثر إلقاء القبض على بعض أبنائهم أو صدور الأحكام بالسجن أو الحبس ضدهم، فالأولى والأصح هو أن يمارس الأهل دورهم قبل وقوع الفأس في الرأس، فهذا على الأقل يوفر عليهم حالة القلق والحزن التي يصيرون فيها. دور الأهل ينبغي أن يكون قبل حصول المكروه لأبنائهم وليس بعد حصوله.
سؤال مباشر وصريح؛ هل يحق للعوائل التي لا تمنع أبناءها من التورط في أعمال مخالفة للقانون والنظام أن تبدي غضبها وتتخذ موقفاً من كل من لا يتعاطف معها في مثل هذا الظرف؟ لماذا لم تقم بدورها فتفعل ما يحول بين أبنائها وبين هذا المصير المؤلم الذي لا يتمناه لهم أحد؟ هل تعتقد هذه العوائل أن لأبنائها الحق في تجاوز القانون والتطاول على الأنظمة، وأنه ليس للدولة حق محاسبتهم ومعاقبتهم؟ هل تعتقد أنه يحق لهم رشق رجال الأمن بزجاجات المولوتوف ومعاقرة الفوضى، وأن على الدولة أن تسكت وتغض الطرف عنهم ولا تعاقبهم؟
الأبناء المتورطون في هذه الممارسات السالبة ليسوا إلا ضحية سلبية أهاليهم الذين لم يبالوا بما يدور من حولهم وتركوهم لقمة سائغة لأولئك الذين لا يتوانون عن اتخاذهم أداة يحاربون بها من يقف في طريق بلوغهم أمانيهم. لو أن أهالي هؤلاء الأبناء قاموا بدورهم وبواجبهم الشرعي والأسرى والمجتمعي تجاه أبنائهم لما تمكن أولئك من استغلالهم، ولما تورطوا في أعمال يعاقب عليها القانون، ولما اكتشفوا متأخرين أن ذلك البعض إنما كان يعتبر أبناءهم مجرد بيادق في رقعة شطرنج يضحي بهم كلما رأى أن هناك حاجة للتضحية كي يتقدم.
اللوم والعتب أولاً وأخيراً يقع على الأهالي الذين قصروا في واجبهم تجاه أبنائهم إما كسلاً أو «سهواً»، أو أنهم غضوا الطرف عنهم وعن أفعالهم استجابة لدعوات البعض الذي زين لهم وأعطاهم الشمس في يد والقمر في الأخرى، وقال لهم إنه قاب قوسين أو أدنى من تسلم مقاليد الحكم!
ليس عدلاً بكاء الأهالي على ما يجرى لأبنائهم لأنهم هم أيضاً شاركوا في توصيلهم إلى الخانة التي صاروا فيها، هم أحد الأسباب الرئيسة لذلك؛ بل السبب الأكبر. لو أنهم رعوا أبناءهم حق الرعاية وحالوا بينهم وبين من يريد توظيفهم لصالحه ويتخذهم حوائط صد بشرية لما أصابهم وأصاب أبناءهم أي مكروه.
بعض من هؤلاء الذين يبكون اليوم على ما صار فيه أبناؤهم كانوا يفرحون بما يقومون به في الشوارع ويفتخرون بأفعالهم التي لا يقتصر أذاها على الحكومة، ولكنه يصل إلى المواطنين والمقيمين الذين يعلقون في الشوارع إثر اختطافها ويتعرضون لشتى أنواع الخطر.
لا أحد يتمنى لهؤلاء أو غيرهم أن يقضوا ولو يوماً واحداً في السجن محكومين أو موقوفين، ولكن لا أحد يقبل أيضاً ما قاموا ويقومون به من أعمال فوضى وتخريب لا تأخذهم إلا إلى الطريق التي يضيع معها مستقبلهم ويتسببون في تخريب حياة أهاليهم، ووضعهم في موقف يضطرون معه إلى قول أو فعل ما قد يجلب لهم الأذى أيضاً وفي موقف الضعيف.
هذا هو حال الأهالي في القرى ممن تورط أبناؤهم في ممارسات مخالفة للقانون والنظام، فكيف السبيل إلى إخراجهم مما صاروا فيه؟
خطوتان مهمتان على أهل القرى أن يقوموا بهما كي يجنبوا أنفسهم ما يتألمون منه اليوم؛ الأولى أن يراقبوا أبناءهم جيداً فلا يتركوهم كما الهدية لذلك البعض، والثانية يقوم بها المعنيون بالأندية في القرى برعاية الأبناء وتثقيفهم ومساعدتهم على الابتعاد عن ذلك الطريق الذي يجعلهم أداة طيعة في يد من لا يهمه مصيرهم وإنما تحقيق ما تتضمنه أجندته من أهداف.