قبل ثلاثة أيام من كتابة هذا المقال وصلتني قائمة تتضمن أسماء 81 مواطناً أعلنوا عن نيتهم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، وقبل يومين ارتفع العدد إلى نحو مائة وواصل ارتفاعه أمس، وليس مستبعداً أن يكون عدد الراغبين في الترشح قد تجاوز في هذه اللحظة المائتين.
ظاهرة يعتبرها البعض صحية، ولعلها تأتي في سياق الرد التلقائي على جمعية الوفاق التي لا تزال تبحث عن طريقة لإفشال الانتخابات ملخصه أنه «لو خليت لخربت»، وأن عدم مشاركتكم في الانتخابات ليس له أي تأثير على هذا الاستحقاق، فبين هذا العدد من الراغبين في الترشح والمتوقع أن يرتفع سيصل إلى مجلس النواب من سيراهم الشعب الأكفأ والأكثر قدرة على خدمة المواطن ليسهموا بدورهم في مسيرة هذا الوطن، والذي اختار لحاضره ومستقبله طريق الديمقراطية.
لكن هذا لا يمنع من القول إن البعض ممن عبر عن رغبته في الترشح للانتخابات النيابية غير معروف مجتمعياً إلا من فئة محدودة، وليس له فعل ملموس يشفع له عندهم ليقبلوا على انتخابه، فالناخبون يبحثون عمن يتوسمون فيه الخير، وهم يقبلون غالباً على من رأوا أفعاله ولمسوها لمساً، لذا فإنهم لا يترددون عن إعادة انتخاب من كان صادقاً معهم وأثبت أنه سعى لخدمتهم وترجم برنامجه الانتخابي وما وعدهم به إلى واقع.
بين هذا العدد من الراغبين في الترشح يوجد من أفصح للمقربين منه إنه إنما قرر أن يدخل هذا البحر كي يكسب، فهو يتوقع أن يعرض عليه منافسوه الانسحاب في لحظة معينة مقابل مبلغ من المال يتفق عليه. وبينهم من قرر الترشح آملاً الفوز براتب طيب وسيارة فخمة ومكانة اجتماعية وبدل سفر، وبينهم بالطبع من نيته طيبة ويهدف إلى المشاركة رغبة في المشاركة في خدمة الوطن والمواطن.
الحديث هنا عن المستقلين، لأن غير المستقلين يعبرون عن المؤسسات التي ينتمون إليها ويترشحون باسمها ويمثلونها، وهؤلاء يدخلون بغية تحقيق مكاسب سياسية لمؤسساتهم ومن ينتمي إليها بشكل خاص.
في انتخابات 1973 كان كل الذين تقدموا للمنافسة على مقاعد البرلمان معروفين مجتمعياً، وكان لكل منهم تاريخه والجميع كان يعرف دورهم وما قدموه وما يمكن أن يقدمونه للوطن والمواطن، ولعل الأمر نفسه تحقق في انتخابات 2002 وربما انتخابات 2006، لكن ما تلا ذلك تقدم للترشح من يفتقد مثل هذه الصفات، حتى أن البعض صرح بأنه إنما قرر الترشح لأنه عاطل عن العمل، بل إن أحدهم أعلن أنه إنما قرر خوض الانتخابات ليزيح الظهراني -رئيس المجلس- عن كرسيه ويصير رئيساً بدلاً عنه!
في ندوة أقامتها جمعية التجمع الوطني الدستوري «جود» قبل يومين وتحدثت فيها الدكتورة لولوة المطلق، التي تنوي الترشح عن إحدى الدوائر بالمحافظة الوسطى، تداخلت الشاعرة نبيلة زباري، ورأت أن تطور التجربة النيابية ينبغي أن يفرض تحديد معايير للمترشحين للانتخابات، وألا يظل الباب مفتوحاً لكل مواطن وصل سناً معينة ويعرف القراءة والكتابة، معتبرة أن المجلس النيابي يمكن أن يكون أكثر عطاءً وقدرة على خدمة المواطنين لو كان أعضاؤه ممن تتحقق فيهم شروط مثل المستوى التعليمي والثقافي.
جميل الرد على الداعين لمقاطعة الانتخابات وتخريبها بالتعبير عن النية في الترشح وإنجاحها، ولكن مهم أيضاً تنظيم العملية، بحيث يضمن المواطنون وصول من هم على درجة عالية من الكفاءة والمعرفة والخبرة، ومن بإمكانهم أن يعطوا بشكل إيجابي في مسائل تفرضها الأحوال التي مرت بها البلاد في السنوات الثلاث الأخيرة، كما إن من المهم جداً أن يدخل المجلس من يمكن اعتبارهم معارضة كي يكونوا حافزاً للحكومة على التفاعل بشكل أكبر، وكي يكون المجلس قادراً بالفعل على التعبير عن أمنيات المواطنين وطموحاتهم.