لم نقل سراً عندما نعترف أمام الجميع أننا في العالم العربي أصبحنا نمتلك الشيزوفرينية الإلكترونية؛ وهي شخصيتنا ولكن بأسلوب ونكهة أخرى عندما نمارسها من خلال أجهزة الهواتف الذكية، ملامح هذه الشخصية غير معروفة ومبادئها غير مدروسة وأفكارها ضائعة وأهدافها تائهة والتناقض هو الحكم الفصل لكل أعمالها.
فدعائمها هو هاتف ذكي بغض النظر عن تاريخ ميلاده، وبرنامج مهمته أن يوصلك بالناس الآخرين لديك والتوقيت الزمني هو المفتاح الرئيس، حقيقة من غير المهم درجة الإقناع والاقتناع التي يعيشها كل من المرسل والمتلقي عند تبادل الأحاديث والأخبار؛ بقدر ما يجب أن تكون متوافقة مع التوقيت الزمني التي تحكم هذه الرسائل وتكون العنصر الأساسي والمحرك الرئيس لتواردها.
نحن اليوم نعيش أكثر الأيام بركة «عرفة» يوم الحج الأكبر لدى المسلمين أتمه الله العلي القدير على سائر الملبّين وغفر الله سبحانه وتعالى خطايانا أجمعين وجعلنا عنده من المقبولين، لذا فإنني أعيش غبطة لا متناهية عندما تبدأ الرسائل التي تحمل أسمى معاني الحب والوفاء، والتي مهمتها إنعاش المودة والطمأنينة في قلب كل من الكبير والصغير تتطاير بين الجميع، وتذكر بأهمية التسامح وميزة العمل الطيب في هذه الأيام المباركة، وأن العبادات لا بد أن تمارس بشكلها الصحيح وذلك كي لا نضيع الأجر العظيم، والنوايا قبل كل ذلك لا بد أن تُصفى كي نحصل من أعمالنا على بيت القصيد.
رسائل تدعو إلى بر الوالدين وفض النزاعات الأسرية والابتعاد عن قطع الأرحام، رسائل تبغض الغيبة والنميمة، وأخرى تجنبنا الوقوع في الشبهات وغيرها الكثير والكثير، عداك عن الصور ومقاطع الفيديو والتي من أثرها الطيب ممكن أن تفتت الحجر الصوان.
فعندما تستلم هذه الرسائل تستبشر خيراً أن المرسل لعل وعسى هو نفسه يطبق هذه التوجيهات ويمارس هذه الأعمال الطيبة، لكن سرعان ما تنصدم عندما ترى هذا الشخص في أرض الواقع، فرداً مغايراً كلياً أو أقله يفعل بعكس ما يقول به، لا تعرف ماذا تصدق، الكلام الذي يرسله لك أو الأفعال الحقيقية التي يمارسها في العلن؟
تشعر للحظة أنك أمام شخص معه فصام، ولكن هذا النوع من الفصام مميز باعتبار أنه فصام إلكتروني أو شيزوفرينية إلكترونية كما أحب أن أطلق عليه، وتبدأ تسأل نفسك لعل وعسى ما قام بإرساله هو ما يتمناه وما يطمح إليه، إلا أن طبعه الحقيقي فرض عليه التصرفات التي يقوم بها آخذين بعين الاعتبار التوقيت الزمني لأنها بالنهاية هي شخصيته الحقيقية التي لا يمكن أن يتخلى عنها، وكما يقول المثل فإن الطبع غلب التطبع.
ومع كل هذا كلنا أمل أن نصل إلى درجة توافق ما بين ما نرسله وما نقوم به، لأنه من السهل أن يطبق علينا «أقرأ كلامك أصدقك أشوف أمورك أستغرب».