في موسم الانتخابات نشهد العديد من الظواهر الغريبة العجيبة، وبعضها تقــف معــه مشــدوها، إذ إلــى هــــذه الدرجة والمستوى وصل الناس، سواء المترشحون، نواب سابقون وحتى الناخبين.
دعكم من الشعارات الغريبة والوعود الخيالية، فهي «لعبة» لبعضهم مارسها على الناس منذ الانتخابات الأولى، ولربما كان أقوى شعار «خيالي» أطلق هو ذاك الذي وعد صاحبه الناس بأنه «سينقل» لهم المطار من المحرق!
ما كان يحصل في تلك الشعارات الخرافية ليس سوى حالة «ابتزاز» للناس، وهنا صنفوها كما تريدون، ابتزاز عاطفي، ابتزاز أخلاقي، وحتى ابتزاز أخلاقي من خلال ممارسة الكذب عبر إطلاق وعود يعرف أصحابها بأنها من الاستحالة أن تتحقق.
بيد أن «الابتزاز» هذا تحول إلى ممارسة تبادلية، فبات الناس اليوم يمارسونه على المترشحين، وبقراءة متأنية قد نقول بأن هذا نتيجة لما وصلوا إليه من خيبات أمل جراء أداء ضعيف لم يحقق طموحاتهم.
أحد المترشحين يستغرب من ناخبين قالوا له وبكل عين قوية: تبي صوتنا؟! يدك على 100 دينار؟! ونائب سابق يقول: معقولة وصلنا لهذا المستوى؟! فأجبته: لا تستغرب، إذ طوال أربع سنوات هل حققت للناس ما وعدتهم به؟! فإذا قلت لا، فإنهم اليوم يسقونك من نفس الكأس.
رغم ذلك، فهي مسألة لا يمكن التبرير لها، تنم عن قلة وعي، حتى وإن قيلت بغضب كردة فعل، لكن كثيراً من الناس يرون في منحهم الصوت «مقامرة» و«مغامرة»، إذ كم شخصاً يتمنى لو أنه وجه صوته لشخص آخر عوضاً عن الشخص الذي رشحه؟! أثق بأن هناك الكثير.
في المقابل نجد حالات غريبة وبعضها يبعث على الضحك، حينما تتم ممارسة الابتزاز هذا على المترشحين باستغلال المنافسة بين مترشحي الدائرة نفسها، خاصة من قبل من يريد أن يعمل في فرق العمل الخاصة بالمترشحين. هناك جماعات تذهب لهذا المترشح وتقول له: نعرف أهالي المنطقة، بيت بيت، شارع شارع، زنقة زنقة، ويمكننا أن نجمع لك الأصوات، لكن أولا يدك على 100 دينار لكل عضو في فريق العمل. المدهش أن نفس الجماعة تذهب لمترشح آخر في نفس الدائرة (بعد أن تقبض الفلوس طبعاً) وتقول له نفس الكلام، بل وتقول إنها تركت فريق المترشح فلان لأسباب عديدة مثل أنه غدر بهم ولم يعطهم «المقسوم» أو عاملهم بطريقة سيئة، وتقوم بنفس العملية، تأخذ «المقسوم» وتختفي، فلا ذهبوا إلى ناخبين ولا عملوا مع المرشح.
هذه الظاهرة باتت واضحة وتحصل، وفي معرض تشخصيها يمكن القول إن فترة الدعاية الانتخابية تحولت لأشبه ما يكون بالموسم الذي تحصد فيه الأموال، والبعض يعمل بطريقة «اكسب أقصى ما تقدر»، بالتالي هناك من «ينصب» على مترشحين، وهناك من «يبتزهم» لأجل صوته، وهناك من يفعل الأفاعيل حتى بدافع الغضب.
هل الفكرة هنا بأنه رد دين لبعض المترشحين، بأن ما سقوه الناخبين من كأس مرارة وإحباط طوال هذه السنوات، هناك من يأخذ بحقه منهم بهذه الطريقة؟!
هي ظاهرة نقف عندها، لكنها ليست حالة صحية يفترض أن تحصل في مجتمع نسعى لأن ينفض عنه غبار أي تأخر، وأن ينهض باتجاه الممارسات الصحيحة والوعي الحصيف في كل شيء.
الانتخابات ممارسة يجب أن يسودها الوعي، تكبر أولاً بوعي الناخب الذي يتعلم من أخطائه فلا يسمح بتكرارها، وينتهي بمخرجات سليمة صادقة تعمل في المجلس التشريعي هدفها الوطن والمواطن فقط.
الوعي مطلوب في كل شيء، لكن حتى يتحقق، ربما نحتاج أن نكتوي مراراً بالنار، أو أن نتجرع سم الفشل، أو نعاني بشكل قاس حتى نستوعب ونعي.