كل من مر بشارع البديع في الأسبوعين الماضيين لاحظ أن معظم اللوحات الإعلانية الكبيرة والصغيرة المثبتة على جانبي الشارع هي لمترشحين من أبناء القرى الذين تعتبرهم جمعية الوفاق أعضاءها قسراً طالما أنهم ينتمون إلى المذهب الذي تنتمي إليه، وطالما أنهم من أهل القرى. وجود لوحات أولئك المترشحين للمجلسين النيابي والبلدي في ذلك الشارع المليء بالقرى يوصل رسالة مهمة لكل العالم مفادها أننا لسنا مع الوفاق في موقفها السالب من الانتخابات، وأن الوفاق لا تمثل إلا نفسها، وأننا قررنا أن نخوض الانتخابات لأننا نعلم جيداً أنها ستعود على وطننا والمواطنين بالخير، وأننا نؤمن بأن من الظلم أن نفرط في هذا الاستحقاق الذي ناضل الجميع من أجله سنيناً طويلة وظللنا نطالب به ونصر عليه فقط لأن بعضنا لم يعجبه أمر ما متعلق به أو أنه اتخذ لسبب أو لآخر موقفاً من الحكومة.
رسالة أخرى اختار من ترشح لهذه الانتخابات من أبناء القرى توصيلها إلى جمعية الوفاق بصورة خاصة؛ ملخصها أنك لا تمثلين الشيعة في البحرين ولا يحق لك أن تتحدثي باسم المذهب، وإن كان كل أعضائك من المنتمين إليه، فأنت جمعية سياسية لك أهدافك وغاياتك ومرجعياتك التي تنفذين توجيهاتهم ونصائحهم، كما إنك لا تمثلين كل أهل القرى؛ لأن في القرى كثيرين ممن لا يؤمنون بما تؤمنين به ولا يوافقونك الرأي في مقاطعة الانتخابات، لأنهم يرون فيها الأمل والمستقبل، ويدركون أيضاً أن مصالحك هي التي دفعتك لاتخاذ هذا الموقف السالب والبعيد عن الواقع والذي يتسبب في أذى الوطن.
في اليومين الأخيرين التقيت بعدد من المترشحين للمجلسين من أبناء القرى، عبروا عن استيائهم من موقف الوفاق ورأوا أنها لا تهمها إلا مصلحتها الحزبية، وقالوا إنها اتخذت قراراً بمعاداة كل من ترشح للانتخابات رغم أنهم ليسوا من أعضائها، وقالوا إنهم لم يثبتوا إعلاناتهم داخل القرى لأنهم يعرفون مسبقاً أنها ستتعرض للاعتداء، حيث الواضح أن جمعية الوفاق أرادت بتخويفها المترشحين ومنعهم من فعل ذلك أن تقول إنه لا مظاهر للانتخابات في القرى، وأن هذا يكفي للتدليل على أنها لم تنجح.
لنطرح هنا بعض الأسئلة؛ هل المترشحون من أبناء القرى هم فقط الذين لا يوافقون الوفاق على رأيها وتصرفها وموقفها من الاستحقاق الانتخابي؟ أليس من المنطق استنتاج أن زوجات المترشحين وأبناءهم وبعض من المنتمين إلى عائلاتهم يؤمنون بما يؤمن به المترشحون وسيصوتون لهم؟ أليس من المنطق استنتاج أن آخرين من أهل القرى من غير عائلات المترشحين يريدون أن يشاركوا بالتصويت في الانتخابات وسيتوجهون إلى المراكز العامة درءاً للفتنة واتقاء لشر المتأثرين بدعوات الوفاق المقاطعة للانتخابات؟
كل هؤلاء لا تعتبرهم الوفاق شيئاً، فهي لا ترى في المشهد سوى أعضائها الذين مهما بلغ عددهم يظلون رقماً صغيراً بالنسبة لعدد المواطنين الشيعة، وهي لا تسمع فيه سوى صوتها الذي بدأ كثيرون من أهل القرى ينزعجون منه، لأنهم صاروا يعلمون أن الوفاق تريدهم أن يسمعوه ويقولوا سمعنا وأطعنا، وما هذا العدد الكبير من أبناء القرى من الذين ترشحوا للانتخابات -وكثير منهم من عائلات لها وزنها ومكانتها- إلا أن يكون دليلاً على تململ المواطنين في القرى من تصرفات الوفاق واقتناعهم بأن الشعارات التي ترفعها لا تتناسب مع الواقع ولا يستفيد منها إلا بعض أعضائها ومن يقف وراءها.
في كل الأحوال غداً هو الفيصل، ويكفي للمترشحين من أهل القرى شرف رفع صوتهم في وجه جمعية ترفع شعار الديمقراطية وتنادي بها وتريد أن تفرض على الجميع رأيها وديكتاتوريتها، فلم يترددوا عن ترشيح أنفسهم للمجلسين النيابي والبلدي، وأعلنوا تحديهم للوفاق التي بدأت تخسر الكثيرين من «مواطنيها».