نبحث بين العناوين والتقارير والأخبار، لنرى ما آلت إليه الأوضاع في بعض البلدان، وكيف صار حال أهلها، بعد أن استحلت أرضهم، «قطعان الوحوش» فعبثوا في أمنها واحتلوا أرضها، وكيف صارت الديار مجرد أثر، بعد أن كانت حضارة علم وإعمار وبنيان، ومن اليمن، نأتي لكم اليوم، بمثال شاهد، كيف غدا حالها بعدما جاء «الحوثي» إلى السلطة، وصارت له اليد الطولى في مؤسسات الدولة، وتمكن أتباعه والمحسوبون عليه من التغلغل في المناصب العليا في المؤسسات، ومنها نتحدث هنا عما حدث في هيئة الطيران المدني اليمني، بعد أن قام المسلحون الحوثيون بالسيطرة على الهيئة العامة بصنعاء، رفضاً لقرار رئاسي بإقالة مديرها العام حامد فرج بحكم كونه محسوباً عليهم، كما رفضوا تعيين نبيل الفقيه رئيساً لهيئة الطيران المدني واستولوا على المبنى، ومنعوه من الدخول، حيث اقتحم مسلحي الحوثي المبني وسيطروا عليه بالتنسيق مع نائب مدير الهيئة، المقرب من الحوثيين، بالضبط مثلما سيطر أتباع «حزب الله» اللبناني على مطار رفيق الحريري، وها هو النائب اللبناني السني البارز محمد كبارة، يطالب بإبعاد نفوذ «حزب الله» عن مطار بيروت الذي يخضع لسيطرة «حزب الله»، وأن لا يتم السكوت على ذلك.
إذن، هكذا كانت استراتيجيتهم، وهي السيطرة على المؤسسات، ليس من خلال ميليشيات مسلحة فقط، بل من خلال موظفين ومسؤولين، خاصة إذا كانت هذه المؤسسات حيوية وهامة، مثل هيئة الطيران المدني أو شركات الطيران، التي قد تكون تعييناتها وترقياتها وما يجري فيها لا تطرأ على بال أحد ولا تنشر بالإعلام، وفي هدوء، وفي الظلام، تقع هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات، في قبضة الانقلابيين، الذي لا يؤمن لهم جانب، وإن طال سكوتهم، حيث لا ينفع بعدها انتشار رجال الأمن، في الوقت الذي تحتاج مؤسسات الدولة إلى مهندسين وفنيين، وكفاءات عالية في إدارة المؤسسات أثناء الأزمات، وأثناء قيام الانقلابات وما يصاحبها من عصيان، ولعدم وجود هذه الاستراتيجية بالأخص في بعض الدول العربية، فإن الفوضى تعم هذه المؤسسات، التي قد يتعاون بعض من رؤسائها وموظفيها بالتنسيق مع الانقلابيين، للسيطرة على المؤسسات التي يعملون فيها، فهم الأحوط بكل أدواتها وأجهزتها وخرائطها، والمفاتيح في يدهم و»ريموت» التشغيل تحت أصابعهم، وكيف بدول ربما يكون طيرانها من المكاتب إلى الطيارة، يسيرها محسوبون على الجماعات الإرهابية الانقلابية، التي استطاعت أن تستغل موارد الدولة في التدريب والتعليم، واستغلت برامجها، بتدريس الطيران وهندسة الطيران، والتي اختارت من الخريجين ودمجتهم في المؤسسات وخطوط الطيران الوطنية، وذلك بعد أن يتم التنسيق بين المسؤوليين المحسوبين على هذه الجماعات الذين يجيدون التخطيط والتكتيت في هدوء، دون أن يثيروا الشكوك، وخاصة عندما يكون بعض المسؤولين يحسنون الظن إلى حدود تسمح لهم بالتغلغل والتمكن، ولم يضعوا في حساباتهم نسبة شك أو حتى حيطة، ولو بنسبة 50%، قد تعيق بعض الشيء أو تقلل من نسبة الخطر، خاصة بعدما مرت البلدان بمؤامرات وانقلابات، ولم يتم إعادة النظر في تأمين المؤسسات التي يكون أمنها ضماناً وصمام أمان، عندما تكون هذه المؤسسات قادرة على حماية نفسها حين يكون لديها الطواقم المدربة من موظفين ومسؤولين وطيارين وفنيين وكهربائيين ومكانيكيين وكيميائيين، وجميع التخصصات، لأن المؤسسات ليست هيئة طيران مدني فحسب، بل طاقة وكهرباء وماء، ومصانع تكرير وإشارات مرورية، ومجاري، وكذلك بالنسبة للمؤسسات الأمنية التي يجب أن تكون طواقمها وأفرادها قادرة ومؤهلة على تشغيل المصانع وإدارة حركة الطيران والاتصالات.
ما يحدث في اليمن، ربما يحدث في دولة عربية، لكن لا يمكن أن يحدث في أمريكا، فقد قام الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1981، بفصل 11359 من المسؤولين في حركة الملاحة الجوية بعدما رفضوا العودة إلى أعمالهم، وتولى الجيش مواقعهم، وهو الاستعداد الأمني والعسكري لإدارة الدولة في حالة الطوارىء، وبذلك تؤمن الدولة مؤسساتها الخدمية والحيوية، عن طريق تسليمها لأيد مؤهلة لإدارتها وتشغيلها، وكذلك فعلت بريطانيا في 2012 عندما سخرت الحكومة البريطانية مئات من أفراد الجيش والشرطة لتعويض سائقي شاحنات نقل الوقود الذين هددوا بتنظيم إضراب خشيت معه الحكومة أن يعطل حركة النقل في البلاد، إذاً الأمن يبدأ من هنا، من تأمين المؤسسات والاستعداد الفني والمهني في المؤسسة الأمنية والعسكرية، والعمل على تأمين المؤسسات نفسها ولو بنسبة 50%.