كثير من الخيام الانتخابية لا تعدم وجود ناخبين جادين لا تبهرهم المظاهر مهما كان بذخها ولا تبهرهم الكلمات القوية والصرخات



عدد المترشحين للانتخابات النيابية والبلدية كبير جداً، والإقبال على الترشح واضح تماماً من قبل الناخبين، ووصلنا لمرحلة تم استخدام كل الوسائل المتاحة من تواصل اجتماعي وإعلانات جرائد وغيرها في الدعاية الانتخابية، وبات المواطن لا يمكن أن تخطئ عينه إعلاناً هنا أو هناك، وحتى هاتفه باتت تغزوه الرسائل النصية الدعائية، شاء أم أبى.
وسط هذا الكم من المترشحين، هناك انتشار واضح للمقار الانتخابية من خيام ومجالس، وباتت صنوف التحدي واضحة في عملية تزيين المقار، أو وضع خيمة مترامية الأطراف هنا، أو وضع بوفيه من أرقى الأماكن، وكل هذا لأجل استقطاب اهتمام الناس.
هناك بعض الناخبين يزيد وزنه في فترة الدعاية الانتخابية، فهو يتنطط من خيمة لأخرى، وكل يوم لديه برنامج مختلف في أحد المقار الانتخابية، والبعض يتحرك بسرعة كبيرة لأجل المرور على عدة مقار في ليلة واحدة. والحق يقال هنا بأن هذا وضع طبيعي جداً في موسم الانتخابات.
الكل يسعى للحصول على صوت المواطن، الكل يخطب وده هذه الأيام، ولو قال المواطن «آه» لرأيتم مترشحين يهرعون إليه ولربما حولوا سياراتهم الشخصية إلى سيارات إسعاف، كل هذا من أجل عيون المواطن، أو بالأصح صوته.
لكن تبقى العملية مرهونة بالناخب نفسه، هو من يتحكم بسير هذه العملية، هو الذي يقرر فوز هذا أو خسارة ذاك.
بيد أن السؤال يوجه للناس؛ إذ عندما تذهب لخيمة انتخابية أو مجلس انتخابي، ما الذي تبحث عنه؟! أو بتعبير أدق ما هي الأمور التي تنشدها في المترشح؟!
هناك من يأخذ العملية من باب التسلية والترويح عن النفس، يذهب هنا وهناك، ويرى كل نائب ماذا يعرض في خيمته، بعضهم يعتبر ما يحصل وكأنها خيام سيرك استعراضية، ففيها يتم استعراض هموم الناس بطريقة استعراضية وبعضهم يحاول استعطاف الناس بشتى الوسائل، وبعضهم يصل في صياغة الشعارات لمستوى مبتذل من الرجاء والتعهد، وطبعاً في المقار أيضاً يتم استعراض البوفيهات ومستوى المقر، حتى وجدنا خياماً تتدلى منها «الثريات» التي تلفت الأنظار.
لكن كما قلنا، الأهم هو أنت يا مواطن، وكثير من الخيام لا تعدم وجود ناخبين جادين لا تبهرهم المظاهر مهما كان بذخها، ولا تبهرهم الكلمات القوية والصرخات مهما كان مستوى انفعال صاحبها.
إذاً العملية مرتبطة بك أيها المواطن، ما الذي تبحث عنه هنا؟!
حينما تذهب لخيمة انتخابية، وهذه نصيحتنا، اترك كل مظاهر الإبهار جانباً، جنب نفسك أن تنجرف بصرياً أو سماعياً خلف أي مظهر جميل أو صوت رنان أو كلام منمق مرتب معسول يلامس همومك. ما يحدد هنا هو أنت، إذ حين يدور الحديث في هذه المقار عن هموم الناس ومطالبهم، فإننا ندرك تماماً بأن هذا الكلام ليس وليد اليوم، ما يقال ليست «اكتشافات» تم الوصول لها بعد عناء، كلنا نعرف ماذا يريد المواطن. الفيصل هنا يرتبط بالآلية وكيف يمكن لأي مترشح أن يحقق للناس هذه الوعود؟! وكيف سيعمل في مواجهة الضغوط على نواب البرلمان؟! وكيف سيتصدى لنواب معه يتم اختراقهم وسحب تجاه هذه الكفة أو تلك من قبل بعض المسؤولين؟!
الوعود والشعارات سهل إطلاقها، لكن تحقيقها هو الصعب وهنا المحك. الناس لا تريد أن تستمع لمترشح يقول لها بنبرة يأس أنه سيحاول قدر استطاعته أن يحقق مطالبهم لكنه يعجز أن يقدم لهم البدائل في حالة عجزه، يفشل في إقناعهم بأنه سيكون معهم وواقف في صفهم في حال سارت الرياح عكس ما يريده الناس. ولكم في حادثة زيادة الرواتب والميزانية خير دليل. البعض منهم صار يبرر للجهات الرسمية وصار يدافع عنها أكثر من مسئوليها، في حين كان الموقف الأدبي يحتم أن يكون هناك موقف واضح وصريح مع الناس، لا يهادن ولا يخذل الناخبين.
هذا مثال نورده، وعليه فإننا في سياق الدعوة لزيادة وعي الناخب نكرر القول بأن المظاهر قد تكون خداعة، فلا ينجر المواطن باتجاه المترشح الذي لا يوحي وجهه وتعابير جسده وكلامه بالثقة، لا تنجر يا مواطن أمام مترشح يفشل في إجابة تساؤلاتك بالأخص الواقعية والقاسية.
العملية صعبة، ندرك ذلك، لكنها مرتبطة بصوت إن منحته بصورة خاطئة وإن منحته لشخص لم تتأكد من كفاءته وصدقه وجدارته وأحقيته، فإنك ستكون أسيراً للحسرة والندم طوال أربع سنوات قادمة.
اختاروا الأفضل بعيداً عن المظاهر والشعارات، هم موجودون بالتأكيد لكن النجاعة بالوصول لهم واكتشاف الغث من السمين.