البرنامج البرلماني المبني بناء سليماً الذي يعكس صدق وجدية صاحبه هو برنامج يتضمن أهدافاً واقعية ذات صلة باحتياجات الناس وقضياهم



على الرغم من الكثافة غير المسبوقة في أعداد المترشحين للانتخابات البرلمانية والنيابية لهذه الدورة؛ فإن نسبة كبيرة منهم افتتحوا مقارهم الانتخابية مع مطلع الأسبوع الأخير قبل الانتخابات. وهو ما يعني أن عمليات الترويج الانتخابي بالنسبة لهم لن تزيد عن أربعة أيام قبل دخول مرحلة الصمت الانتخابي!!.
على الصعيد نفسه فإن أغلب هؤلاء ليسوا من الناشطين المبرزين في الشأن العام، وليسوا من الشخصيات العامة المعروفة، وبعضهم لا يعرفه أغلب جيرانه في المجمع السكني. فكيف سيمتحن المواطنون أهلية هؤلاء ليمنحوهم أصواتهم؟
بالدرجة الأولى على الراغب في اكتشاف أهلية المترشح وجدارته بتمثيل المواطنين أن يطلع بعمق على سيرته الذاتية، فلا يكفي أن يكون المترشح قانونياً أو أكاديمياً أو مسؤولاً رفيعاً سابقاً في أي قطاع من قطاعات الدولة؛ فتلك وظائف لا نعرف مستوى كفاءتهم في أدائها. ولا يكفي أن يكون المترشح حاملاً لشهادة عليا في تخصص نوعي، فالمراتب الأكاديمية تؤهل للعمل في البحث العلمي وأغلب حملتها لا يكتبون سطراً خارج تكليفات عملهم. ولكن المواصفات السابقة مؤشرات هامة في تقدير إمكانية إلمام المترشح بالعديد من القضايا فيما لو نحج في الوصول إلى سدة البرلمان. الإجراء الأهم في اكتشاف مدى كفاءة المترشح هو أن تقرأ برنامجه الانتخابي وتسمع منه تفصيلا عن برنامجه وعن الإجراءات التي سيتبعها مدة ثلاث السنوات من أجل تحقيق أهدافه. ثم تربط برنامجه بتخصصه الأكاديمي أو خبرته المهنية. ثم تربط كل ذلك بنشاطه العام أو شخصيته الاجتماعية إن كان ثمة سابق معرفة قد جمعتك به.
وعلى سبيل المثال فإن أغلب المترشحين يعلنون في برنامجهم بنوداً حول علاج مشكلة البطالة وهم لا يعرفون كم تبلغ نسبة البطالة في البحرين، وليس لديهم فكرة عن النسبة الدولية وكيفية إجراء مقاربات معها تتناسب مع وضع البحرين. كما أنهم لا يعرفون أين تتركز البطالة وفيمن تتفشى؛ بالتالي فإنهم لا يطرحون حلولاً واقعية تنطلق من معطيات مدروسة للواقع البحريني.
والكثير من المترشحين يرفعون شعارات عامة بأنه سيقف مع الشعب ولن يخذل المواطنين وسيكون صوت المواطن حاضراً تحت قبة البرلمان، دون أن يبين الكيفية لتحقيق ذلك. وآخر بدع الانتخابات أن العديد من المترشحين يرفع أمام ناخبيه شعار «نحن لا نعدك بالمستحيل»، وإنه لغريب فعلا أن يكون في العمل البرلماني مستحيل!!
البرنامج البرلماني المبني بناء سليماً، الذي يعكس صدق وجدية صاحبه هو برنامج يتضمن أهدافاً واقعية ذات صلة باحتياجات الناس وقضياهم الرئيسة التي تشكل مأزق البلد والمواطنين. وأن تكون تلك الأهداف ذات صلة، أيضاً، بالمترشح نفسه، بتخصصه الدراسي وعمله المهني وباهتمامه الاجتماعي. فليس من المقنع أن يكون موضوع تطوير التعليم على رأس أولويات عسكري متقاعد درس الهندسة في صباه!!. أو أن يكون تطوير الاقتصاد ورفع دخل المواطنين برنامجا انتخابيا لموظف في إحدى إدارات الدولة تخرج من كلية إدارة الأعمال!!. ويكون كل هؤلاء لم يعرف عنهم يوماً أي اهتمام أو خبرة بالقضايا التربوية والاقتصادية. ولأن المعايير السابقة يصعب التعامل معها على إطلاقها. فإن البرنامج الانتخابي لغير أهل التخصص من المترشحين يكشف عن مستشارين، يفترض أن يرافقوا المترشح حين يصير نائباً، ويتعين على المترشح الكشف عنهم. ويكون البرنامج في خطة تفصيلية وجدول عمل مرتبط بمرحلة زمنية واضحة وليس بكلام مرسل. وأن يبين المترشح كيفية تواصله مع المواطنين لإعلامهم بسير عمل برنامجه. إن بعض النواب السابقين من غير أصحاب البرامج الانتخابية قد رسخوا ثقافة سيسعى بعض الطامحين للبرلمان إلى تكرارها، وهي إعداد مشاهد تمثيلية وسط البرلمان يقف فيها النائب متحدثاً ببؤس عن معاناة المواطنين العاطلين أو من تنقطع عنهم الكهرباء لساعات طويلة أو ذوي الدخل المتدني ويطالب الحكومة بالصراخ أحياناً، أو بصوت يرتج وتخنقه العبرة، أحياناً أخرى، أن ترحم المواطن وأن تتذكر فقراءهم وأن تحل مشكلاتهم بأسرع وقت وبجدية. ثم ينشر النائب المقطع الدرامي لمداخلته في البرلمان في شبكات التواصل الاجتماعي مذيلاً المقطع بتعليق: أقوى مداخلة للنائب ... حول (...). بعد ذلك يحج المواطنين بأنه أوصل مطالبهم وعبر عن آلامهم وكان صوتهم الذي تردد صداه في البرلمان وخارجه!!
ما هكذا تناقش مشكلات البحرين وأزماتها. ودراما اثني عشر عاماً في البرلمان يجب ألا تتكرر هذه المرة. لذلك تعرفوا على مترشحيكم. وابحثوا في سيرهم الذاتية واقرؤوا برامجهم وناقشوهم فيها كي تتطور العملية الانتخابية ويتقدم العمل الديمقراطي في البحرين بشخصيات مؤهلة تعرف معنى البرلمان وتعرف آلية العمل البرلماني. وجلسة واحدة تكفي لتعرف هل المترشح يستحق صوتك أم لا.