هذا ما يقوله العراقيون بلهجتهــم الســــاحرة عندما يفاجئون برؤية شخص يعني لهم شيئاً أمامهم أو يسمعون خبراً غريباً، فعندما يراك العراقي الذي لم تلتقه منذ فترة طويلة في مكان ما ويفاجأ بك يجاملك بقوله وهو يبتسم «هاي صدق.. كذب؟»، تعبيراً عن مشاعره تجاهك، والعبارة تعني هل ما أراه حقيقة أم خيال؟ التعبير نفسه يمكن أن يقوله كل بحريني اليوم، ولكن باللهجة البحرينية الساحرة أيضاً عندما يقرأ خبر عدم ترشح أي من الوفاقيين لمنصبي الأمين العام ونائبه، وأن اللذين فازا بهما بالتزكية هما الشيخان علي سلمان والديهي!
هل هذا معقول؟ نظرياً غير معقول؛ لكن واقعياً معقول بل معقول ونص، فالمنصبان صارا حكراً على هذين الرجلين، والواضح أنه صار من غير المسموح به الاقتراب منهما؛ بل وحتى التفكير فيهما، فهذان المنصبان تم تفصيلهما على مقاس هذين الشخصين ولا يمكن لهذا الثوب أن يلبسه غيرهما.
بالتأكيد سيقول الوفاقيون إن أحداً من الأعضاء لم يرشح نفسه لأحد هذا المنصبين، أو أن من رشح نفسه لم يحظ بالقبول من شوراهم لسبب أو لآخر، لهم أن يقولوا ما يودون قوله لكن للآخرين أيضاً أن يقولوا ما يقررونه من قناعات تجاه هذا الذي يحدث، لأنه ليس ممكناً ألا يكون في بلد الوفاق إلا هالولد، وليس معقولاً ألا يكون هناك توجيهات من هذه الجهة أو تلك أو من هذه الشخصية أو تلك لاختيار من يشغل هذين المنصبين (في المرة الماضية قال سلمان إنه لا يريد إعادة ترشيح نفسه وظل مصراً على رأيه بعض الوقت، ثم قبل بالمنصب). لن نقول إنها كانت تمثيلية وإن بدت كذلك!
الوفاق بحاجة إلى دماء جديدة تنتج رؤية جديدة تعينها على تغيير تفكيرها تجاه الكثير من القضايا وعلى مراجعة مواقفها التي لم توصلها إلا إلى كل مغلق، لم يعد مقبولاً الاستمرار في التحكم في الطائفة والدفع بالبسطاء ليكونوا في وجه المدفع، وليس ممكناً قبول تصرفات إدارة ينتقد أصحابها الآخرين إن مر عليهم في مناصبهم حول أو أقل من حول.
لا مفر من تغيير قيادات الوفاق إن أراد الوفاقيون التعامل مع الواقع بما يعود عليهم وعلى الطائفة بالخير، فالأطراف التي ذاقت من القيادات الحالية ما ذاقت لا يمكن أن تتقبل الوفاق وتتعامل معها طالما أن تغييراً في الوجوه لم يحدث، كان المتوقع أن يكون لدى الوفاقيين الجرأة في اتخاذ قرار بالتغيير من الداخل حتى يغير الله عليهم، وإذا كان «مبلوعاً» أن يظل الوفاقيون ممن يشغلون المناصب الأخرى في مناصبهم فإن ما ليس كذلك هو أن يظل سلمان والديهي في منصبيهما. على الأقل درءاً للحسد!
ربما لو كان هذا المنصبان مشغولين بآخرين غير الحاليين لما تورطت الوفاق إلى الحد الذي لم تعد فيه قادرة على اتخاذ قرار صحيح، ولما رفضت الكثير من المخارج التي اقترحتها الحكومة أو الجمعيات السياسية الأخرى التي صارت في جيبها.
نعم؛ التطرف في مواقف الوفاق لا يفرضه بالضرورة الأمين العام ونائبه باعتبار أنهما منفذان لمن هم في الكواليس، ولكنهما يظلان مؤثرين ويفترض أن يكون لهما دور في إقناع من في الكواليس بخطأ بعض القرارات وبخطورة بعض المواقف التي تتسبب في نفور الآخر من هذه الجمعية.
هو شأن داخلي، هكذا سيقول الوفاقيون، وهو بالفعل كذلك، وليس لأحد أن يفرض عليهم شيئاً أو شخصاً طالما أنهم يعملون تحت مظلة القانون، ولكن المهم أن يحظى من يختارونه لمنصبي الأمين العام ونائبه بالقبول من الآخرين لتسهيل أمور الجمعية.