لفتتنــي دعــوة تــم بثهــا عــبر الشبكــــة الإلكترونية لإحدى القرى لمقاطعة رئيس الصندوق الخيري بالقرية اجتماعياً (تم ذكر اسمه) بسبب مشاركته ضمن وفد «هذه هي البحرين» إلى العاصمة البريطانية لندن، ما يعني أن من يقف وراء هذه الدعوة اعتبروه خائناً، وبالتالي صار على أهل القرية مقاطعته لأنه خرج عن «الملة». والمقاطعة الاجتماعية تعني عدم مشاركته في أفراحه وأتراحه، ومنعه من المشاركة في أي مناسبة اجتماعية في القرية، وصولاً إلى عدم تبادل التحية معه وعدم رد السلام عليه (رغم أن رد السلام واجب)!رد فعل غاضب يعبر عن ضعف وتيه وضيق صدر وافتقاد للقدرة على استيعاب الآخر، ويؤكد التناقض بين ما يدعون إليه من حريات وبين سلوكهم المتمثل في التضييق على الحريات، ذلك أنهم بهذا التصرف يقولون للجميع «إن لم تكونوا معنا فهذا يعني أنكم ضدنا وصرتم أعداءنا وبالتالي فإن عليكم أن تحتملوا ما يأتيكم منا».تصرف يوفر مثالاً ينبغي الاستفادة منه لتأكيد التخبط الذي يعيشه أولئك، ولتأكيد أنهم غير مستوعبين حتى للشعارات التي يرفعونها وينادون بها في فعالياتهم المختلفة.لا يمكن أن يكون الناس كلهم كما يريدون لسبب بسيط؛ هو أن الله سبحانه وتعالى خلقهم مختلفين رغم أنهم كلهم من طينة واحدة، ويكفي النظر إلى أصابع اليد الواحدة للتأكد من أن الاختلاف حكمة ورحمة، فإذا كانت أصابع اليد الواحدة تختلف فكيف بعقول البشر؟ تفكير يعبر عن قصر نظر وتخلف يكاد ألا يكون له مثيل، فماذا يعني أن يختلف الرجل في تفكيره عنهم؟ وماذا يعني إن اختلفت قناعاته ومواقفه عنهم؟ أليس هذا من حقه كما إن من حقهم أن يكونوا مختلفين عنه؟ انتماء الرجل للقرية لا يعني أن يكون بالضرورة موافقاً على مواقف بعض أهلها أو حتى جميعهم، وانتماؤه لمذهب بعينه (يعتبرونه في ثورة) لا يعني أن عليه أن يقول بما يقولون وأن يفعل ما يفعلون، واختلاف قناعاته ومواقفه عنهم لا يعني أنه صار خارج المذهب وخارج الملة وخارج القرية وصار يستحق الرجم. ليس هذا التصرف من أولئك غريباً؛ وليس الرجل موضوع الحديث الأول الذي يتعرض لموقف كهذا، فالقاعدة عندهم هي أنك في أمان ولك الود طالما وافقتنا على ما نقول وما نفعل، لكن إن كان لك رأي آخر أو موقف آخر أو بدا منك ما قد نعتبره مخالفاً ومتجاوزاً لنا فالويل لك. هنا مثال.علماء دين شيعة وقضاة لهم شأنهم ومكانتهم العلمية في العالم تمت محاربتهم وقادوا ضدهم حملة لتشويه سمعتهم ولمقاطعتهم اجتماعياً وعدم الصلاة خلفهم، فقد «أفتوا بحرمة ذلك» بسبب مواقفهم الواقعية والمنطقية أو بسبب حصولهم على رواتب من الدولة مقابل الوظائف التي يشغلونها، فعلوا ذلك بهم فقط لأنهم اعتبروهم محسوبين على الحكومة ولا يوافقونهم على قناعاتهم المستندة إلى الدين في مسألة الولاء لولي الأمر. هؤلاء العلماء والقضاة عانوا كثيراً من أولئك، ومن لايزال يؤم المصلين منهم واقع تحت قرار المقاطعة!هنا مثال آخر؛ شخصيات من عائلات شيعية كبيرة لم تعد تجد الاعتبار والاحترام من أولئك لا لشيء إلا لأنها تشغل مناصب في الحكومة لا يشغلونها هم! أو لأنهم يريدون منهم أن يطعنوا الحكومة في ظهرها ويعلنوا أنهم ضدها كي يرضوا عنهم. ما لا يستوعبه أولئك هو أنه لا علاقة بين الانتماء للمذهب وبين الموقف السياسي، فهذا أمر وذاك أمر آخر. والانتماء إلى مذهب بعينه لا يعني الموافقة على كل ما يفعله المتخلفون من المنتمين إليه. ولست الوحيد الذي يشغل مساحة المثال الثالث!