إنها حقيقة واقعة. من المؤسف أننا نجد «بوكو حرام» في كل مكان. «بوكو حرام» في نيجيريا وفي أفغانستان وفي العراق وفي سوريا وفي باكستان وفي لبنان وفي إيران أيضا. تملك الجماعة تاريخاً معقداً، يرجع إلى مائة عام على الأقل.
منذ أكثر من ثلاثين سنة في شهر فبراير (شباط) عام 1981، سافرت إلى بوينس آيرس على رأس أول وفد إيراني يزور أميركا اللاتينية ممثلاً عن الجمهورية الإسلامية في إيران. سمعت شيئاً عن اختفاء أعداد كبيرة من الأشخاص في الأرجنتين. وقيل لي إن أمهات الأشخاص المختفين محتشدات في بلازا دي مايو، أمام القصر الرئاسي كاسا روسادا. ذهبت إلى هناك كي أشاهدهن. ذهبت أولاً إلى كاتدرائية متروبوليتانا، وأنا أفكر كيف تخفي الحكومة شبابها وتختطفهم؟ كان مرشدي في الجولة صحافياً شاباً، وكان ابن شقيق رودولفو والش، الصحافي الشهير الذي اختفى وعذب وقتل في عام 1977. ما هي الجريمة الكبيرة التي ارتكبها؟ أجابني صديقي ألبرتو قائلاً: «كل ما فعله هو كتابة بعض الرسائل العلنية من كاتب إلى الحكومة العسكرية».
وأضاف قائلاً: «تخيل أن كل يوم يختفي كثير من الشباب والصحافيين والفنانين والطلاب في بلادنا منذ عام 1976 وحتى الآن! حتى أن والدة أحد أصدقائي المقربين، اتصلت بي أول من أمس وأخبرتني أن ابنها اختفى».
ذكرتني تلك الأحداث بالآية القرآنية (الفتنة أشد من القتل). عندما يختفي فتى أو فتاة يعني ذلك أن آباءهم وأمهاتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم يذوقون مرارة الموت في كل لحظة.
شاهدت الأمهات في بلازا دي مايو، كان معظمهن في السبعينات من العمر. كن يحملن صور أبنائهن وبناتهن، الذين كانوا مبتسمين في معظم الصور، ولكن كانت وجوه الأمهات قلقة ومضطربة. وفجأة بدأ الجميع يردد اسم ابنه أو ابنته. كانت مثل سلسلة عظيمة من الموجات الصغيرة. بدا وكأنهن يتصورن أن أبناءهن يستمعون إليهن، ويشعرون بهن وكأنهم معهن في المنزل وكأن كل أم تعد فنجان قهوة لابنها أو ابنتها.
كانت إحدى الأمهات تقف مستندة إلى عصي تساعدها شقيقتها. قالت لي: «اختفى ابناي في عام 1978، وجرى اعتقال ثلاث أمهات من بلازا دي مايو». ظللنا في البلازا حتى غروب الشمس. وذهبنا إلى مقهى تورتوني لتناول بعض الطعام. لم أستطع تناول أي شيء، بل شربت كوباً من الماء فقط. وبدا أن الزمن توقف في مقهى تورتوني وكأنه صورة صامتة باللونين الأبيض والأسود. كان من المستحيل أن أنسى الصور الصامتة لأمهات بلازا دي مايو. كان معظمهن يرتدين أوشحة بألوان فاتحة. قال لي صديقي إنه يأمل ألا نشهد مثل هذه الأحداث المريعة في ثورتنا. فقلت له: «يقال إن الثورة تأكل أبناءها.. ولكني لم أزعم أن ثورتنا سوف تلتهم آباءها وأشقاءها!».
بعد ثلاثين سنة، عندما تلقى مير حسين موسوي زيارة من بناته في محل إقامته الجبرية، سألن والدهن عن حاله. فأجاب موسوي في حبسه المنزلي: «إن كنتن ترغبن في معرفة شيء عن حالتي، فيجب أن تقرأن كتاب غارسيا ماركيز (خبر اختطاف)!».
وفجأة ذهب الإيرانيون الذين تلقوا الرسالة إلى المكتبات لشراء كتاب «خبر اختطاف».
منذ ثلاث وثلاثين سنة، عندما كنت في الأرجنتين، لم أكن أعرف أو أتصور أننا بعد ثلاثة عقود سوف نشهد وقوع عدد كبير من حالات الاختطاف. كيف كان يمكن أن أفترض أن آية الله كروبي ومير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد سوف يخضعون للإقامة الجبرية؟ وأن يقول موسوي إن «وضعنا مشابه لما في كتاب غارسيا ماركيز».
في كتاب «خبر اختطاف» كتب ماركيز: «في إحدى المرات قال أحد الخاطفين الذي كان مرتدياً قناعاً أسود للسجناء: دعوني أخبركم أنكم إذا سعلتم أو أصدرتم صوتا في الليل فسوف أفجر رؤوسكم». (ص 48).
ماذا كان يجب أن يفعلوا؟ كانوا يغطون أفواههم بوسادة لتكتم صوت السعال. وكان الحراس يراقبونهم طوال الوقت، حتى عندما ينامون، وكان يجب عليهم الاستئذان في كل شيء؛ إذا أرادوا الجلوس أو مد الساقين أو الحديث مع بعضهم البعض.
إن جماعات «بوكو حرام»، التي تظهر في صور وتحت شعارات مختلفة في أفغانستان وسوريا والعراق والأخيرة في نيجيريا، أكثر خطورة من المختطفين في أميركا اللاتينية، لأنهم يفعلون ما يفعلونه ويبررون جرائمهم باسم الله والجهاد. يقولون بسم الله الرحمن الرحيم، ولكنهم يختطفون الأبرياء ويقتلونهم، ويقولون إنهم يريدون بيع الفتيات أو إجبارهن على اعتناق الدين الإسلامي وقسرهن على ارتداء الحجاب أو تلاوة آيات القرآن. وهذا ضد الإسلام. عندما لا توجد مساحة للرحمة في فكرهم، وتمتلئ قلوبهم بالكراهية، كيف يمكننا أن نقبل أنهم مسلمون حقيقيون؟
يقول نبينا محمد: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
عندما كنت أستمع إلى الرسالة الشفهية لزعيم «بوكو حرام»، قلت لنفسي إن هذا عدو غبي للإسلام والمسلمين. هذا هو مصدر الجهل المقدس، وصورة لكارثة الجهل المقدس
- عن جريدة «الشرق الأوسط»
منذ أكثر من ثلاثين سنة في شهر فبراير (شباط) عام 1981، سافرت إلى بوينس آيرس على رأس أول وفد إيراني يزور أميركا اللاتينية ممثلاً عن الجمهورية الإسلامية في إيران. سمعت شيئاً عن اختفاء أعداد كبيرة من الأشخاص في الأرجنتين. وقيل لي إن أمهات الأشخاص المختفين محتشدات في بلازا دي مايو، أمام القصر الرئاسي كاسا روسادا. ذهبت إلى هناك كي أشاهدهن. ذهبت أولاً إلى كاتدرائية متروبوليتانا، وأنا أفكر كيف تخفي الحكومة شبابها وتختطفهم؟ كان مرشدي في الجولة صحافياً شاباً، وكان ابن شقيق رودولفو والش، الصحافي الشهير الذي اختفى وعذب وقتل في عام 1977. ما هي الجريمة الكبيرة التي ارتكبها؟ أجابني صديقي ألبرتو قائلاً: «كل ما فعله هو كتابة بعض الرسائل العلنية من كاتب إلى الحكومة العسكرية».
وأضاف قائلاً: «تخيل أن كل يوم يختفي كثير من الشباب والصحافيين والفنانين والطلاب في بلادنا منذ عام 1976 وحتى الآن! حتى أن والدة أحد أصدقائي المقربين، اتصلت بي أول من أمس وأخبرتني أن ابنها اختفى».
ذكرتني تلك الأحداث بالآية القرآنية (الفتنة أشد من القتل). عندما يختفي فتى أو فتاة يعني ذلك أن آباءهم وأمهاتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم يذوقون مرارة الموت في كل لحظة.
شاهدت الأمهات في بلازا دي مايو، كان معظمهن في السبعينات من العمر. كن يحملن صور أبنائهن وبناتهن، الذين كانوا مبتسمين في معظم الصور، ولكن كانت وجوه الأمهات قلقة ومضطربة. وفجأة بدأ الجميع يردد اسم ابنه أو ابنته. كانت مثل سلسلة عظيمة من الموجات الصغيرة. بدا وكأنهن يتصورن أن أبناءهن يستمعون إليهن، ويشعرون بهن وكأنهم معهن في المنزل وكأن كل أم تعد فنجان قهوة لابنها أو ابنتها.
كانت إحدى الأمهات تقف مستندة إلى عصي تساعدها شقيقتها. قالت لي: «اختفى ابناي في عام 1978، وجرى اعتقال ثلاث أمهات من بلازا دي مايو». ظللنا في البلازا حتى غروب الشمس. وذهبنا إلى مقهى تورتوني لتناول بعض الطعام. لم أستطع تناول أي شيء، بل شربت كوباً من الماء فقط. وبدا أن الزمن توقف في مقهى تورتوني وكأنه صورة صامتة باللونين الأبيض والأسود. كان من المستحيل أن أنسى الصور الصامتة لأمهات بلازا دي مايو. كان معظمهن يرتدين أوشحة بألوان فاتحة. قال لي صديقي إنه يأمل ألا نشهد مثل هذه الأحداث المريعة في ثورتنا. فقلت له: «يقال إن الثورة تأكل أبناءها.. ولكني لم أزعم أن ثورتنا سوف تلتهم آباءها وأشقاءها!».
بعد ثلاثين سنة، عندما تلقى مير حسين موسوي زيارة من بناته في محل إقامته الجبرية، سألن والدهن عن حاله. فأجاب موسوي في حبسه المنزلي: «إن كنتن ترغبن في معرفة شيء عن حالتي، فيجب أن تقرأن كتاب غارسيا ماركيز (خبر اختطاف)!».
وفجأة ذهب الإيرانيون الذين تلقوا الرسالة إلى المكتبات لشراء كتاب «خبر اختطاف».
منذ ثلاث وثلاثين سنة، عندما كنت في الأرجنتين، لم أكن أعرف أو أتصور أننا بعد ثلاثة عقود سوف نشهد وقوع عدد كبير من حالات الاختطاف. كيف كان يمكن أن أفترض أن آية الله كروبي ومير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد سوف يخضعون للإقامة الجبرية؟ وأن يقول موسوي إن «وضعنا مشابه لما في كتاب غارسيا ماركيز».
في كتاب «خبر اختطاف» كتب ماركيز: «في إحدى المرات قال أحد الخاطفين الذي كان مرتدياً قناعاً أسود للسجناء: دعوني أخبركم أنكم إذا سعلتم أو أصدرتم صوتا في الليل فسوف أفجر رؤوسكم». (ص 48).
ماذا كان يجب أن يفعلوا؟ كانوا يغطون أفواههم بوسادة لتكتم صوت السعال. وكان الحراس يراقبونهم طوال الوقت، حتى عندما ينامون، وكان يجب عليهم الاستئذان في كل شيء؛ إذا أرادوا الجلوس أو مد الساقين أو الحديث مع بعضهم البعض.
إن جماعات «بوكو حرام»، التي تظهر في صور وتحت شعارات مختلفة في أفغانستان وسوريا والعراق والأخيرة في نيجيريا، أكثر خطورة من المختطفين في أميركا اللاتينية، لأنهم يفعلون ما يفعلونه ويبررون جرائمهم باسم الله والجهاد. يقولون بسم الله الرحمن الرحيم، ولكنهم يختطفون الأبرياء ويقتلونهم، ويقولون إنهم يريدون بيع الفتيات أو إجبارهن على اعتناق الدين الإسلامي وقسرهن على ارتداء الحجاب أو تلاوة آيات القرآن. وهذا ضد الإسلام. عندما لا توجد مساحة للرحمة في فكرهم، وتمتلئ قلوبهم بالكراهية، كيف يمكننا أن نقبل أنهم مسلمون حقيقيون؟
يقول نبينا محمد: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
عندما كنت أستمع إلى الرسالة الشفهية لزعيم «بوكو حرام»، قلت لنفسي إن هذا عدو غبي للإسلام والمسلمين. هذا هو مصدر الجهل المقدس، وصورة لكارثة الجهل المقدس
- عن جريدة «الشرق الأوسط»