حدثني أحد الأباء البحرينيين عن محنته مع اثنين من أبنائه الشباب، هذا المواطن الذي كان يراوده الحلم في أن يجعل منهما نموذجاً حياً للتربية السليمة والمستقبل الزاهر للشباب البحريني، وذلك عبر السير معهما خطوة بخطوة، من بداية الروضة حتى يوم التخرج، فكان حلمه مجرد حلم يقظة وانتهى بلا شيء.
يقول المواطن: كنتُ حريصاً جداً على تعليم أبنائي بصورة صحيحة وقوية، فمنذ الأشهر الأولى أدخلت أبنائي حضانة خاصة تعنى بتربية وتعليم الأطفال على المبادىء الصحيحة والطرق الحديثة في التعليم، ومن ثم أدخلتهما إلى روضات ومدارس مميزة وخاصة، وبعد أن تخرجا من المدرسة قمت باقتراض مبلغ كبير من المال من أجل أن يكملا دراستهما في أوروبا، فاخترت لهما جامعة خاصة، لها مكانتها المرموقة في مدينة ويلز ببريطانيا. بعد أن تخرجا هاهما اليوم، أحدهما عاطل عن العمل وآخر يعمل في شركة بصورة مؤقتة خوفاً من البقاء في المنزل مع أخيه العاطل عن العمل.
بعد نحو ثلاثة أعوام أو ما يزيد من تخرجهما، هاهما يبحث كلاهما عن وظيفة في بلدهما الأم، ولا يعلمان إلى متى سيستمر بهما الحال، ولا يعلم والدهما كيف سيواجه الواقع، وكيف سيظل يسدد فاتورة قرض تعليمهما مدى الحياة، وهو على يقين تام أن لا فرص حقيقية يمكن أن تأتيهما للعمل في كل مؤسسات الدولة، العامة منهما والخاصة.
لم تظل ولم تبق مؤسسة حكومية أو خاصة، إلا وقدم لديها الأخوان أوراقهما (C.V) طمعاً في الحصول على وظيفة تليق بهما وبمخرجات التعليم وسوق العمل التي صدعت بهما رؤوسنا كل من وزارتي التربية والتعليم والعمل، لكن يبدو أن التكريم الواقعي لأبنائنا المتميزين في هذا الوطن هو أن يظلوا عاطلين عن العمل، أو العمل بصورة مؤقتة في وظيفة لا تتناسب ومستوى الشهادة التي يملكونها، أو أن يعملوا بطريقة غير حضارية عبر فيتامين (و).
ما هو الحل؟ وكيف يمكن معالجة مثل هذه القضايا؟ وما عسى يمكن لوزارة العمل أو أية مؤسسة رسمية وغير رسمية أن تقدم لهذين الشابين وغيرهما من شبابنا المتميز من الحلول ما يمكن أن يرفع من معاناتهم ومعاناة أسرهم؟ وإلى متى سنظل نكتب مثل هذه القصص الواقعية المشحونة بالعاطفة في مقالاتنا اليومية من دون إيجاد مخرج حقيقي لمثل هذه المشاكل؟ وإلى متى سنظل نكتب لبيئة عمل أو وزارة أو مؤسسة لا تقرأ ما نكتب أو تقرأ ولا تهتم بما نكتب؟
من السهل الحديث عن التعليم والعمل وعقد المؤتمرات التي تكلف الدولة الملايين كل عام، لكننا في المقابل عاجزون عن توظيف شابين من شبابنا الجامعي! انتهى الحديث عن هذين الشابين، ونقطة آخر السطر.
الآن وكعادتنا البحرينية في عالم الصحافة سنظل ننتظر الرد من الجهات المعنية حول هذا الأمر، والتي ألفت أن «تطنش» في كل مرة يكون الحديث عن قضايا التعطل، والبطالة والبحث عن عمل يليق بمستوى ومكانة المواطن البحريني. من واجبنا الأخلاقي أن نكتب عن معاناة الناس وأوجاعهم ومن واجب الجهات المعنية أن ترد.