الجملة التالية مقتطفة من كلام نشره مؤخراً «معارض» من المقيمين في الخارج على شكل تغريدات متسلسلة في حسابه على التويتر، لعلها تصلح أن تكون مثالاً يدعو «المعارضة» إلى مراجعة أسلوبها في نقد الآخرين وضبط من يقدم نفسه على أنه من القياديين، ذلك أنها باستمرارها في السكوت عن هذا الأسلوب تقطع كل خيوطها مع الآخرين وتضع نفسها في زاوية صعبة فينبذها حتى المقربون منها والمتعاطفون معها. هنا الجملة المعنية. «التيار الحركي السلفي البحريني صورة باهتة لسيرك يتقلب على منصته مهرجون ويضحك لرؤيتهم والاستماع إلى أحاديثه منظروهم في المنطق».
إن تضمين الكلام كلمات مثل «صورة باهتة وسيرك ومهرجين وضحك على الأشكال والأحاديث» يعني أن هذا «السياسي» دون القدرة على التعامل مع الآخرين واحترامهم، ودون القدرة على التحكم في أعصابه وأنه يشعر بالضعف والهزيمة، كما يعني أنه يعتقد أنه قادر على تحقيق «النصر» الذي ينشده بالصراخ وتوزيع الشتائم يمنة ويسرة وبالاستهزاء بالآخرين وإلغائهم.
لا بأس أن تختلف مع التيار السلفي ومع الإصلاح ومع التقدمي والشيوعي ومع كل من أردت أن تختلف معه، فهذا أمر طبيعي ومن حقك أن تختلف مع الآخرين مثلما أن من حق الآخرين أن يختلفوا معك، لكن ما هو غير طبيعي وليس من حقك أن تستهزئ بالآخرين وتلغيهم أياً كانوا لأنك ببساطة لن تقبل أن يستهزئوا بك وبمن تعلي من شأنه من الأفراد ويلغوك ويلغوه.
هذا المنشور مثال سيء لمستوى يفترض أن تتخذ منه «المعارضة» بأنواعها موقفاً وترفضه لأنه يسيء إليها ويوصل رسالة إلى الجمهور مفادها أن السب والشتم حلال ومتاح طالما أن من يقع عليه ذلك هو من الطرف الآخر، خصوصاً أن من قام به يعتبر قيادياً في «المعارضة» ويعتبره بعضهم قدوة.
بالتأكيد ليس كل من في «المعارضة» يمارس هذا الأسلوب، فهناك من يشعرك بأنك في القلب وأنك محترم ولك مكانتك عنده رغم علمه بأفكارك وقناعاتك ومواقفـــك التي هي ضد الجمعية التــي ينتمي إليها وربما ضده شخصيا. هذا المستوى هو المطلوب وهو من يعول عليه في المساهمة في الخروج من الأزمة التي لا تزال مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لا أحد ينكر أن للتيار السلفي أخطاءه، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أيضاً أن للتيارات الأخرى من دون استثناء أخطاءها، فالخطأ وارد طالما أن هناك عملاً يمارس من قبل الأفراد والمجموعات، لكن لا أحد يقبل أبداً الاستهزاء بالآخرين والتقليل من شأنهم وصولاً إلى إلغائهم، فهذا سلوك صبياني ومرفوض.
وقوفك مع الحكومة ليس جريمة، ولا ضير في تبنيك بعض مواقفها وتوجهاتها طالما أنك مقتنع بذلك، ولا بأس لو أسبغوا عليك صفة موالي، فأنت هنا موال لحكومة بلادك وليس لحكومة أجنبية. بالمقابل لا بأس لو تراجعت عن بعض مواقفك لو وجدت أنها من وجهة نظرك لا تخدم الوطن ولا تكسبك كتيار ما كنت تطمح إليه.
تغيير المواقف بناء على قناعات مسألة واردة وتحددها طبيعة المرحلة، فلعل هذا التيار أو ذاك يتخذ موقفاً ما من قضية معينة في مرحلة بعينها لكنه يتخذ موقفاً مناقضاً لهذا الموقف في نفس القضية في مرحلة أخرى. هذا يدخل في صميم العمل السياسي ولا ضير منه طالما أنه ناتج عن قناعة، كما أن من العمل السياسي الانحناء للعواصف حتى تمر.
ليس هذا دفاعاً عن التيار السلفي، فأنا أيضاً لي عليه العديد من الملاحظات مثلما أن لي ملاحظات على التيارات الأخرى، ولكن يهمني أن أسهم مع من يدعو إلى تأسيس قاعدة يقف عليها الجميع أساسها الاحترام.