ما فهمته من تصريحات وزراء خارجية دول مجلس التعاون بعد انقضاء اجتماعهم السبت الماضي في جدة، والذي كان متوقعاً في ختامه الإعلان عن قرارات قاسية وبعيدة عن جو الألفة الذي ظل سمة هذا المجلس طوال عمره، هو أن الوزراء -وهم ممثلون لأصحاب الجلالة والسمو القادة- توصلوا إلى قناعة مفادها أن هناك ملفات أكثر أهمية من هذا الخلاف الطارئ والمتمثل في سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، حيث الأهم الآن هو العمل معاً لاستيعاب المتغيرات الجديدة من حولنا والتعاون لمنع الإرهاب من الوصول إلى دول المجلس، فالتطورات التي تشهدها سوريا ويشهدها العراق وغيرهما من دول المنطقة لا يمكن الانشغال عنها بملفات يمكن حلها بحكمة قادة التعاون في أي وقت، عدا أن هذه المشكلة تعتبر قياساً إلى المشكلات التي واجهها مجلس التعاون في سنينه الخمس والثلاثين الماضية بسيطة، ولا يمكن أن تكون عصية على الدبلوماسية الخليجية التي أثبتت قدرات متميزة وسجلت نجاحات كثيرة ينظر إليها دبلوماسيو العالم بعين التقدير.
ورغم أن هذه المشكلة تشكل عائقاً أمام العمل الخليجي المشترك وتعتبر مصدر إزعاج وقلق للجميع، إلا أنه يمكن تأجيل حلها حيث الأهم الآن هو حماية دول المجلس مما يجري حولنا وقريباً من دارنا، خصوصاً بعد ما رأى الجميع من داعش ما رأى، ومن غيرها.
ليس منطقاً الانشغال عن الخطر الداهم بخلاف يراه البعض نوعاً من الترف، فما بين دول التعاون لا يمكن أن يعكر صفوه قرار طارئ بسحب السفراء من الدوحة، وهذا ما يبدو أن المعنيين بدول المجلس يدركونه اليوم جيداً، والدليل هو أن اجتماع السبت الماضي لم يكن مخصصاً لمناقشة موضوع الخلاف الخليجي الخليجي وإنما كان لقاءً دورياً تمت خلاله مناقشة العديد من الملفات، خصوصاً ما يجري في اليمن وسوريا والعراق وما جرى من حرب ظالمة على غزة استمرت نحو شهرين.
هذا الوعي الذي قدمه وزراء خارجية التعاون في اجتماع جدة درس بليغ ينبغي أن تأخذ به الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة البحرينية البحرينية، ذلك أنه ليس منطقاً أيضاً الانشغال عن خطر يتهدد البحرين وكل دول المنطقة بما يمكن اعتباره ترفاً، حيث المشكلة المحلية هنا وإن دخلت عامها الرابع إلا أنها تظل مشكلة يمكن التوصل فيها إلى حلول ترضي جميع الأطراف ذات العلاقة، خصوصاً أن قيادة البحرين مرنة ولن يعجزها التوصل إلى الحل المرتجى.
هذا الوعي ينبغي أن تتصف به «المعارضة» بشكل خاص، فطالما أن الخطر قريب من دارنا فإن العقل والمنطق يفرضان علينا التفرغ تماماً لمواجهته، فإن انصرف عنا عدنا لما نحن فيه، أما أن ننشغل عنه بأمور يمكن أن تكون سبباً في إضعافنا جميعاً، فهذا ما لا يكون مقبولاً ولا مفهوماً.
انشغالنا عن الأخطار من حولنا بمشكلاتنا الداخلية التي تعتبر قياساً إلى تلك الأخطار بسيطة يشبه دخولنا في «هوشة نتلاسن فيها» وسط عاصفة هوجاء يمكن أن تؤذينا جميعاً وتذهب بريحنا. العقل في هذه الحالة يدعونا إلى التوقف عما نحن فيه والتعاون معاً لمواجهة العاصفة، ثم بعد أن تمر نعود إلى «هوشتنا» لو كان ذلك يريحنا!
المثال الذي قدمه وزراء خارجية التعاون في اجتماع جدة مثال عملي ورسالة ملخصها أن علينا ألا ننشغل عن الخطر الذي نراه بأعيننا وصار يعاني منه من هم حولنا بمشكلات يمكن أن نتفرغ لها لاحقاً ونحلها بطريقتنا وبما يرضينا جميعاً.
هذه الرسالة مهمة وعلى الجميع خصوصاً «المعارضة» أن تستفيد منها، فالفارق بين أولئك الذين يشكلون خطراً علينا جميعاً وبين ما نحن فيه هو أن أولئك لن يرحموا أحداً منا لو تمكنوا منا وسنكون جميعاً من الخاسرين.