في لعبة الملاكمة شروط ونظام صارم وجهة رقابية تدعى أيبا ومقرها سويسرا تحدد لكل لاعب وزنه وتحصره في فئة معينة للتنافس معه، فاللاعب الذي لا يزيد وزنه عن 49 كيلوغراماً على سبيل المثال يوضع ضمن فئة «الذبابة»، حتى قفازه له وزن محدد يجب ألا يزيد غراماً واحداً، فللذبابة قفاز وزنه 114 غراماً فقط، ثم يتدرج الوزن فتلي الذبابة فئة «الريشة» وهكذا حتى يصل إلى الوزن الثقيل مثل وزن الملاكم تايسون المدرعة والملقب بالرجل الحديدي، فهو ملاكم لا يجرؤ أن يعلن عن منافسته إلا من كان في وزنه ولا تسمح الأيبا بملاكم من وزن الريشة أو الذبابة أن يتنافس مع تايسون، الذي أصبحت طريقة لعبه مرجعاً ومدرسة للمتنافسين حتى من بعد اعتزاله.
الشاهد أن سقف التنافس يرتفع حين يرتفع وزن من ينزل الحلبة وينزل كلما نزل المتنافسون على الحلبة، فكلما نزلت «الناس الثقيلة» حسب معايير الحلبة ارتفع وزن التنافس، فلا يجرؤ وزن الذبابة ووزن الريشة على النزول، بل لا يجرؤون على مجرد التفكير في النزول مع الأوزان الثقيلة، كما تترفع الأوزان الثقيلة عن النزول إلى الحلبة إذا كان المنافسون تتراوح أوزانهم بين 50 و60 كيلو.
وتنطبق الحالة على التنافس على حلبة الانتخابات في كل دول العالم، أوزان المتنافسين تحدد سقف المترشحين، في البحرين انخفض سقف التنافس فانخفضت أوزانهم وفتح الباب لوزن الريشة والذبابة بل وحتى من لا وزن له كالهباء المنثور، ولانخفاض السقف أسباب لم يكن النص الذي أزهقت أرواح من أجل تغييره إلا واحداً منها، أما الأسباب الأخرى فتتحملها كل الأطراف بما فيها السلطة وجماعة الولي الفقيه وبقية الجماعات الدينية ونحن معهم كناخبين.
بيئة الصراع على السلطة تسببت بشكل كبير بالتلاعب في السقف، بعد أن أصبح الوصول للمقعد غاية لا وسيلة عند القوى السياسية، بعد أن ارتهن قرار بعض القوى السياسية للخارج، بعد أن قسموا المجتمع إلى معسكرين يزيدي وحسيني، وبعدما جرحوا الوطن وأثخنوا جسده بالطعنات وخانوا وطنهم، انقلبت الموازين وعادت الدولة إلى «تفصيل» استحقاق التنافس بما يضيق على القوى السياسية في التعديلات الأخيرة و يفتح الباب للمستقلين أكثر، ثم جاءت أحداث 2011 وخلو 18 مقعداً ففتحت الباب لجميع الأوزان أن تدخل خلال شهرين اثنين من تاريخ الإعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات التكميلية، وهكذا دخل -ولن أعتذر- سعادة النائب (عوير وزوير) إلى المجلس، وتحول من مجلس نيابي يفترض أنه يمثل أمتنا ويمثل شعباً طيب الأعراق، إلى نائبة وكارثة ومنصة تعرض عليها جميع أنواع المسرحيات وغلبت الكوميديا السوداء على أكثر العروض إثارة.
لم يتوقف العرض حتى بعد أن أسدل الستار على نهاية الفصل الثالث، فالحمى للفصل الرابع بدأت مبكراً ولخلو الساحة من الأوزان الثقيلة (حنكة وخبرة سياسية، وتاريخ، واكتفاء ذاتي مادي، وجرأة وقدرة على المواجهة) نزل سقف التنافس من الوزن الثقيل إلى وزن الريشة وهو وزن أثقل من وزن الذبابة، فبدأ الإعلان مبكراً عن نية بعض النواب القدامى في إعادة ترشيح أنفسهم وهم لم يزيدوا عن وزن الريشة في عطائهم النيابي، بمعنى ثلاثة فصول مرت ومازالوا يجرون وراء الوزراء لاسترضائهم و لم نرَ واحداً منهم يجري الوزراء وراءه لاسترضائه، فظل هذا النوع من النواب يراوح في وزن الريشة التمثيل النيابي، عنده وظيفة رتيبة روتينية حفظ «المانيول» الخاص بها عن ظهر قلب، يؤدي بها دوراً محدوداً ليس من بينه الرقابة على الأداء الحكومي أبداً.
أما أكثر الأعداد دخولاً لحلبة التنافس أمام الزيادة فكان من وزن «الذبابة»، فهؤلاء انتشروا كموسم الذباب بكثرة وقد أغراهم وصول نواب (عوير وزوير) في الفصل الأخير، و«حسبتهم» بسيطة جداً إن كان فلان وفلانة وصلا وأتحفانا بعرضهما الكوميدي ما الذي يحول بيننا وبين الوصول؟ وإن كان الدستور لا يشترط غير «يجيد القراءة والكتابة» فما الذي يحول بين أي شخص وبين مكافأة الأربعة آلاف؟.. حقهم الدستوري أليس كذلك؟
وهكذا توارت الأوزان الثقيلة القديم منها والجديد وتركت الحلبة لتتنافس عليها الريشة والذباب والهباء المنثور، وهي الأخف وزناً والأشد وزراً في ما اقترفوه في حقنا!