مؤلم أن تبدأ يومك بخبر عن إحالة البعض إلى النيابة العامة أو المحكمة بتهمة سب صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام شفاهة أو عبر كتاب مطبوع أو مقالة أو من على منبر رسول الله، ومؤلم أن تختمه وأنت تقلب في محطات التلفزيون بـ»الريموت» قبل أن تنام فترى إحداها وقد طل منها من يمارس هذا الفعل القبيح الذي يسيء إلى كل القيم والأخلاق. هل خلصت مشكلاتنا لننبش في أحداث لم نحضرها من شأنها أن تفتح علينا أبواباً ظاهرها وباطنها العذاب؟ وما الذي يمكن أن يستفيده من يتطاول على صحابة الرسول الكريم؟
يمكن تفهم تجرؤ البعض من غير المسلمين وتطاولهم على الدين الإسلامي ورموزه بشكل أو بآخر (وهذا في كل الأحوال قليل ومحدود)، لكن أن يقوم بممارسة هذا الفعل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويفترض أن يتحلى بأخلاق الإسلام فهذا أمر يصعب استيعابه وفهمه.
طبيعي أن تكون قد حدثت في عهد الرسول الكريم حوادث معينة اتخذ منها الناس في ذلك الزمان مواقف مختلفة، وطبيعي أن تكون قد حدثت أخطاء وتجاوزات، فالذين كانوا يعيشون في ذلك الزمان بشر، وكل ابن آدم خطاء. فإذا أضفنا إلى كل هذا التدخل السافر في نقل بعض الروايات وإخضاعها للمصالح الخاصة ولخدمة المواقف السياسية والأحزاب وزدنا عليها المسافة الزمنية التي تفصلنا عن تلك الأحداث فإن العقل والحكمة يدفعان نحو عدم التعرض لتلك الفترة وما تلاها من فترات ذات علاقة، واعتبار كل ذلك ملفاً واحداً لا يؤخذ منه إلا ما يعزز من موقف الإسلام ويرفع شأنه.
المثير أن بعض من يدخل في مناقشة أحداث جرت في تلك الفترة يرويها وكأنه كان حاضراً ورأى كل شيء وسمع كل شيء، بل إن بعض هذا البعض يبالغ إلى حد أن يصف لمستمعيه أو مشاهديه مشهداً ما يقول إنه حدث في ذلك الزمن لقطة لقطة وكأنه مخرج سينمائي فيتحدث عن التفاتة وحركة رأس بسيطة ونظرة وغضبة وابتسامة وابتلال لحية بالدموع!
ليس بين الناس في العالم أجمع من يقبل الإساءة إلى شخوص تاريخية يرتبط بهم روحياً وفكرياً ويعتبرهم مثله الأعلى، بل إن البعض لا يتردد عن قتل من يتجرأ على تلك الشخوص أو إحداها، فكيف هو الحال مع المسلمين الذين ميزهم الله سبحانه وتعالى بدين هو خاتم الأديان وبنبي هو خاتم الأنبياء أرسل ليتمم مكارم الأخلاق وبقرآن هو منهج حياة يستقون منه كل ما يبني حياتهم ويؤسس لآخرتهم وهو يحوي من الآيات ما يشير إلى دور بعض صحابة الرسول الكريم ويمتدحهم ويشير إلى مكانة أمهات المؤمنين؟
مشكلاتنا كثيرة، ولدى كل فريق منا من الحجج ما يكفي ليدافع بها عن موقفه ووجهة نظره من دون الحاجة إلى العودة إلى التاريخ والدخول في مهاترات لا تغني ولا تشبع وتعين من لم يتخذ الإسلام ديناً على الإساءة إليه وإهانته.
كل الشخوص الإسلامية محترمة ولها مكانتها وتقديرها، وكان لكل منها دورها في نشر الدين الإسلامي وإعزازه بطريقة أو بأخرى، دون أن يعني هذا أن تلك الفترة خلت من الأخطاء بأنواعها فهذا أمر طبيعي في أي مجتمع وفي أي قوم يأتيهم رسول من الله «يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة».
ليس من الأخلاق الإساءة إلى شخوص إسلامية أياً كانت مواقفها ومواقفنا منها، وليس من المنطق الابتعاد عن مشكلاتنا بالغوص في ماضٍ لم نعشه ووصلنا عبر طرق لا يمكن الركون إليها كثيرا، ويكفي أن دستورنا يؤكد على عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب ويرفض كل ما يثير الفرقة أو الطائفية.