ثلاث سنوات مضت على حوار مستفز دار بيني وبين صديقة عزيزة من إحدى الدول الأوروبية، أعادته ذاكرتي منذ يومين عندما استلمت صوراً أبهرتني على هاتفي الجوال.
فصديقتي وقتها كانت تسألني عن سبب التوتر والقلق المسيطر على أعصابي، فأجبتها أن أطفالي في بكاء يومي ورفض قطعي واستنفار مستمر لفكرة ذهابهم إلى الحضانة، وأنهم لا يتقبلون الأمر لا من قريب أو بعيد، بالرغم من كل الإغراءات التي أقدمها والوعود التي أعهدهم بها. فاستغربت جوابها الذي يعترف بأن تصرفاتهم محقة وما أقوم به غير صحيح. وألا يجب أن أضع نفسي في خانة الساحرة التي ستجلب كل ما يتمنونه، وإن كانت من ناحية الوعود الوهمية غير القابلة للتنفيذ، والتي تشبه في المبدأ تماماً وعود المرشحين لمجلس النواب، والتي عادة ما تتهالك يوماً بعد يوم وتدخل دائرة النسيان، ليس فقط من قبل الشعب الذي يغفل عنها بحكم علمه من البداية أنها وعود على ورق ليس إلا وكونها لا تتعدى مفردات منسقة ومنمقة ذات نغمة جاذبة تعزف على أوتار القلوب الحالمة، لكن لسبب بسيط هو أن ما يقوم بطرحه المرشح لابد أولاً من دراسته ضمن الأطر والأنظمة التي تتمحور بها، وكي لا تكون فقط وعوداً اعتباطية لا مجال لتطبيقها ولا من أمل لتنفيذها.
فيا عزيزتي، إن معادلة الوعود المتراكمة والزائفة نتيجتها حتمية بنزع الثقة لدينا نحن الكبار فما بال صغارنا ذوو القلوب الطاهرة.
فاستفزتني بحديثها وعما يدور في بلدهم، وكيفية التغلب على رهبة اليوم الأول في المدارس، خاصة في مرحلة الحضانة، حيث كانت محور حديثنا. فالأطفال يتم استقبالهم بجو ترفيهي ممتع، كون المدرسين أخصائيون في مجال عملهم ومدركون تماماً أن الطفل الذي لم يتعدَ عمره الثلاث سنوات سوف يفارق الحضن الدافئ واللمسة الحنونة والابتسامة المشرقة والكلمات الرقيقة، سواءً من الأم أو أفراد الأسرة بشكل عام، ليدخل عالماً جديداً، فكل ما حوله جديد، فشاشة التلفاز تحولت إلى سبورة يكتب عليها لا يعرف من أي كوكب حلت به، وسيدة أخرى تشبه والدته ولكنها ليست بوالدته وأطفال ليسوا بإخوانه يشاركونه غرفة مربعة. لذا فإدارة المدرسة تعمد إلى توفير جو يشتمل على ما يحتويه دفء البيت ولكن بإطار إبداعي آخر. فالأطفال يطلقون على المدرسة بيت السعادة ويستيقظون قبل أهاليهم في الصباح إلى أن يتم تعريفهم بأهمية المكان الذي يقصدونه كل يوم ومدى تأثيره الإيجابي على حياتهم.
سمعت والحسرة عصفت أحشائي، وبالطبع فإنني لا أملك أي جواب أو شبه جواب كمبرر لماذا لا يوجد لدينا المنطق نفسه؟! والسؤال واحد وموجه للمدارس الخاصة والحكومية، علماً أنني سأكون في قمة السعادة إذا علمت أن إحدى المدارس وصلت إليها عدوى إبداع الأسبوع الأول وكسرت الروتين القاتل الذي تربينا عليه وها هو مستمر مع أطفالنا.
لذا فمن الطبيعي أن يصيبني انبهار صاعق عندما استلمت على هاتفي النقال صور «المهرجان الاحتفالي الذي قامت به إحدى المدارس في الدول العربية الشقيقة وكيفية تزيينها للصفوف الدراسية بألوان تسر القلب والخاطر وكانت الشخصيات الكرتونية تستقبلهم من بوابة المدرسة».
هذه النظرة قابلها انبهار أكبر للنظرة السلبية التي تسور عقول الجاحدين في مجتمعنا، مطلقين نظرياتهم بأن هذا مضيعة للوقت والأموال باعتبار أنهم المحافظون على خزائن الدولة، والبعض الآخر اعتبره حركة تسويقية ليس إلا!
حقيقة أنا لا أعلم إلى متى سنستمر بإلقاء مخلفاتنا العقلية على أعذار واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإن تخللها بعض المنطق المشبوه في أمره!