يصلهم خبر عن ترشيح فلان نفسه للانتخابات النيابية أو البلدية فيتساءلون أليس هذا معنا؟ ألا ينتمي إلينا؟ أوليس من أهل القرى؟ يأتيهم الجواب أن نعم، فيصدر الفرمان.. احرقوا بيته.. احرقوا سيارته.. احرقوه، فما قام به جرم عظيم وفيه أذى لمن فقدوا أرواحهم بسببنا ومن سجنوا ويكفي أنه خالف القرار. ثم وفي أقل من أربع وعشرين ساعة تأتي الأخبار؛ لقد حرقنا بيت فلان الخائن، لقد حرقنا سيارة علان الخارج عن الملة، لقد وضعنا فلاناً وعلاناً وأهلهما ومن يأسف على ما جرى لهما في القائمة السوداء وسيتم منعهم حتى من دخول مجالسنا ومساجدنا ومن كل مكان نحن فيه، فلا مكان للخائنين بيننا. تسأل: ما الجريمة التي ارتكبها فلان أو علان حتى وصفتموه بالخائن؟ فيأتيك الجواب مختصراً.. لقد خالف الأوامر ومن يخالف أوامرنا فليس منا.
هذا هو مستوى «المعارضة» لدينا، أو بالأحرى من هم يدعون أنهم معارضة، يرفعون شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ويمارسون كل ما هو مناقض لها.
ولأن الجمعيات السياسية «المعارضة» تعرف أن الذي قام ويقوم بأفعال العنف والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة من أتباعهم ومؤيديهم، سارعت كل واحدة منها بإصدار بيان يدين العنف ويدعو إلى الحكمة في محاولة واضحة للنأي بنفسها عن تلك الجرائم. لكن هل هذا يكفي؟ هل يعفيها من دورها الذي ينبغي أن تقوم به في مثل هذه الأحوال؟ هل تعتقد هذه الجمعيات أن الأحوال ستهدأ والشيطان سيولي بمجرد إصدار بيان لا مقابل له في الميدان ولا قيمة له؟
لو كانت الجمعيات السياسية جادة لاستعاضت عن البيانات بمواقف عملية فأعلنت وبصريح العبارة أنها ستتوقف عن ممارسة أنشطتها أو بعضها لفترة معينة احتجاجاً على هذه الأفعال الخارجة عن أخلاق أهل البحرين، أو أعلنت عن استقالة أمنائها العامين أو اتخذت قراراً بإضرابهم عن الطعام حتى يأتيها ما يطمئنها بأن أحداً لن يمارس هذه السلوكيات، أو هددت على الأقل بمراجعة موقفها من المشاركة في الانتخابات.
هذا هو الرد العملي الذي يمكن لهذه الجمعيات أن تمارسه لا أن تكتفي بإصدار بيان تعرف مسبقاً أنه لن يؤثر لأنه خالي القيمة بل تعرف جيداً أن أحداً من أولئك لن يقرؤه. ما قامت به الجمعيات السياسية «المعارضة» يشبه ما يقوم به الوالدان اللذان يريان ابنهما يضرب ضيوفهما ويكتفيان بين الفينة والفينة بأن يقولا له «يوز يا ولد.. عيب يا ولد.. ترى برناويك»، ثم بعدما يبالغ الولد في سلوكه الخاطئ تقوم الأم بضربه بعلبة الكلينكس على مكان لا يتأذى منه!
لو كانت الجمعيات السياسية المعنية بأحداث العنف جادة في دعوتها للتوقف عن ممارسة العنف لاتخذت على الفور قراراً بأنها ستتكفل بدفع قيمة كل ما سينتج عن أعمال العنف من أضرار في الممتلكات العامة والخاصة. هكذا يتصرف أصحاب القرار ومن له وزن في الشارع ويعرف كيف يضبط الأمور، لا أن يكتفوا بإصدار بيان «لا يودي ولا اييب» ومأكول خيره.
مسؤولية ما يحدث من أعمال تخريب وعنف في هذه الفترة تحديداً تقع على الجمعيات السياسية التي أعلنت عن عدم مشاركتها في الانتخابات وقررت مقاطعتها وحرضت الآخرين على ممارسة هذا السلوك. كل من يتضرر من المواطنين في هذه الفترة عليه أن يرفع قضية ضد هذه الجمعيات التي للأسف لا تزال دون القدرة على ممارسة العمل السياسي الحقيقي فتنصاع لعواطفها ولدعوات من لا علاقة لهم بالعمل السياسي.
هذه هي حقيقة «المعارضة» والسكوت عن تصرفاتها وتخاذلها تخاذل، والساكت عنها شيطان أخرس.