سقطت -وياللحسرة- صنعاء كما سقطت من قبلها بغداد، عاصمة الرشيد وحلب الشهباء وطرابلس بلد الشهامة و(عمرالمختار) عنوان الجهاد، ومن قبلها القدس الحبيبة أولى القبلتين وثاني الحرمين ومسرى الأنبياء.
سقطت تلك القامات الشامخات بصفقة مشبوهة أو مؤامرة دنيئة وأخرى بخيانة وضيعة.
وآخرها هذا السقوط كانت صنعاء الحبيبة، عاصمة الأصالة العربية والإيمان الراسخ «إنما الإيمان يماني»، ورغم محاولة الأعداء التخفي وراء الأقنعة والستار إلا أن البصمات للحلف والغادرين من دول الغرب وعملائهم من سياسيي الداخل تكاد تكشف عن دورهم رغم الثوب السميك الذي يلفون به أجسادهم.
فهذا السكوت المريب والتورية المفضوحة لا تنطوي على عاقل فطن، حيث اللافتات التي تجوب صنعاء، والتي تحمل بخط غامق عريض أقسى العبارات في شتم ومعاداة أمريكا وإسرائيل، وقسم منها أمام تلك السفارات بل في محيطها ومن كل الجهات، والمدينة طوقت بشتى الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمجرمين من القتلة والمليشيات، كل ذلك وأكثر ولم تعلن أية دولة من تلك الدول الكبرى حالة الإنذار أو الخوف على رعاياها وإنذارهم بالمغادرة وتحذير القادمين لها، ولم تغلق تلك السفارات أبوابها، ولم يقطع أي رئيس ومستشار إجازته الأسبوعية ويعود أدراجه إلى مقر عمله للمتابعة عن كثب، ولم يهرول مندوبوها بملفاتهم المشبوهة إلى مجلس الأمن وإرغامه على تبني أقسى عبارات الإدانة واستصدار أي قرار، وهي التي عودتنا بالتهويل والتضليل أمام أي طارئ لا يرتقي إلى مستوى الإدانة والاستنكار.
لقد تم سوق الهدي (صنعاء) كقربان للولي الفقيه بالتزامن مع الهدي الذي يسوقه الحجاج للبيت العتيق، ولا تفرق بشيء عن أختها الكبيرة (بغداد) سوى أن الأمريكان وقوى الشر العالمي شحنوا وجيشوا الغزاة ضد الراحل صدام حسين، حيث كذبوا وافتضح أمرهم بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل، فكان رأس صدام هو الرأس النووي المقصود، حيث تم نحره صبيحة يوم العيد بعد أن أسكت صوته الهادر المحاكمة الصورية الهزلية، وفككوا قبله بنية ذلك الجيش العراقي الباسل الذي كان سداً منيعاً وحامياً للبوابة الشرقية، والتي ما هب منها إلا الريح الصفراء والشر والوعيد.
ولم يكتفوا بذلك، حيث العراق بلد الكفاءات ومنبع الخيرات، فعمدوا لزرع الفتن ومزقوا نسيجه المتماسك لقرون، ولما بلغ الجهد منهم مبلغه عمدوا لتسليم مقاليده لعملاء وشذاذ آفاق ولاؤهم مفضوح لعدو حاقد يتحيــن الفرص مــــنذ عقـــود لينفـــث فيـــه سمومه.
لنعد إلى الحبيبة صنعاء؛ فقد أخذنا الشوق مرغمين لبغداد، فكل بلاد المسلمين والعرب غالية وعزيزة، فقد اختار قادة الجيش اليمني وسياسيوه وقادة أحزابه الإسلامية على عجالة حل جيشهم وتنظيماتهم والانزواء وراء الجدران دون الحاجة إلى قرار من بريمر جديد، فبذرته في بغداد أنبت بعد عقد حنظل زقوم في صنعاء، وما زال الغموض هنالك هو سيد الموقف.
إن المخطط الغربي المفضوح للنيل من الجسد العربي وتقديم العواصم العربية إحداها تلوى الأخرى كسبايا وهدايا للولي الفقيه، وبالذات تلك العواصم التي كانت يوماً قلاعاً لمقارعة إمبراطورية فارس.
لم يعد خافياً على أحد أن زواج المتعة بين الغرب وإيران تحول بدهاء ومغريات تلك الفاتنة إلى زواج كاثوليكي أثمر عنه ذرية ممسوخة مصابة بالكساح لا يرجى شفاؤها، ولا ندري من هو المولود المشوه المنتظر بعد انقضاء دورة الحمل المشبوه؟ ومتى ستبلغ تلك الفاتنة سن اليأس قبل أن تضيق علينا الدار بالمعوقين واللقطاء من أم معلومة وأب مجهول.
وهل بقي شك بعد (بغداد والشام وبيروت وصنعاء) أن المقصود والمستهدف ما هو إلا فكرنا وعقيدتنا وشعوبنا والوطنيون والمخلصون من ولاة أمورنا وقادتنا؟!