هناك اليوم واقع يجب أن نوثقه هنا؛ الانتخابات البلدية والنيابية على بعد أيام قليلة وإعلانات المترشحين بدأت تملأ الشوارع، وهناك منافسة واضحة في وضع الشعارات الرنانة التي يلعب أكثرها على وتر العاطفة لدى المواطن.
آراء الناس ومواقفهم متباينة، هناك من سيشارك لأنه يرى المشاركة واجباً وطنياً وأداة فاعلة في وجه تلك الجماعة التي انقلبت على البلد وتحاول أن تعكر صفو حياة أهله بشكل يومي، واليوم تتوعد بالأفعال الإرهابية التي يقوم بها مراهقوها ضد كل مترشح سعياً لتخويفهم وإجبارهم على الانسحاب إضافة إلى إقلاق حياة الناس.
هناك من يريد المشاركة، وهنالك في المقابل من يقول بأنه لن يصوت لا نزولاً عند رغبة كارهي البلد بالمقاطعة، بل لأن لديه قناعة بعدم منح الثقة مجدداً لأي شخص سيدخل البرلمان باعتبار أن 12 عاماً من العمل النيابي لم تلب ولا حتى عُشر مطالبات الناس.
لكن هناك من يقول أيضاً بأن المترشحين في دائرته ليسوا على قدر الإقناع بالنسبة إليه، بعضهم يقول إنه لا يعرفهم ولا يثق بما يكتبونه في شعاراتهم ولا حتى في برنامج عملهم لو دخلوا البرلمان. يقول الناس إن ما يسوق عليهم اليوم ما هو إلا كلام سيتبخر عند فرز صناديق الانتخاب، وذلك من واقع خبرة عملية عايشوها ولا يلامون طبعاً.
بيد أن سؤالاً يستوقفك لوهلة، حينما يقول لك شخص؛ طيب أريد التصويت، لكن لا أعرف من أختار، وبناء على ماذا أختار؟!
كل مترشح يهيء له مقراً ينصب له خيمة ويقيم فعاليات عديدة، وأغلبها دعوة متحدثين لهم وزن ومعرفة في أوساط الناس ليتحدثوا في مواضيع عدة. بعض المترشحين لا يتكلم حتى في مقره الانتخابي بنفسه، وهنا المواطن بالتأكيد يضيع، عليه أن يتنقل بين خيمة وأخرى ويدخل مقراً وآخر حتى يتعرف على المترشحين في منطقته، ودائماً لا تكون الحقيقة ظاهرة في كثير من الأمور، وهنا يذهب الصوت لهذا أو ذاك إما بناء على علاقات اجتماعية أو حسب أو نسب أو أمور أخرى، ونادراً ما يذهب إلى الكفاءة.
شخصياً أنا محتار أين أوجه صوتي في دائرتي الانتخابية؛ لا أعرف عن المترشحين إلا ما يتداوله الناس عنهم، ومن يقف وراءهم ويدعمهم من جمعيات أو إن كانوا مستقلين، لا أعرف إلا الشعارات التي يضعونها ويعلنونها وأومن بأن أغلبها كلام مرسل يتحطم سريعاً على أرض الواقع، وبرامج العمل التي اطلعت على بعضها تكتشف «ضعفها» أي عين خبيرة، ويدرك «عبثها» أي عاقل. فماذا أفعل بالتالي؟!
أنا كمواطن أطالب -وأرى ذلك من حقي- أن يتم تجميع كل المترشحين في الدوائر الانتخابية في مكان واحد، في مقر أحدهم أو خيمته أو أي مجلس محايد يمثل المنطقة، ولتجر مناظرة بينهم على مرأى ومسمع من الناخبين، محاورها يضعها الناس، وتساؤلاتها يقدمها المواطن نفسه. يجتمعون وتطرح عليهم مشاكل الناس وهمومهم وليس بالعكس عبر طرح شعارات الناخبين، وعلى كل مترشح أن يبين للناس كيف سيحل هذه الأمور وكيف سيعمل.
هذه المناظرات تحصل في الدول المتقدمة، وحتى على مستوى رئاسة الدولة في الولايات المتحدة نفسها، فما المانع إن طالب المواطن مترشحي دائرته بمناظرة علنية فيما بينهم، أقلها ليحدد مستوى كل منهم، وليوجه لهم التساؤلات الصعبة في شأن الأمور العالقة والمشاكل التي يعاني منها، وحينها يعرف فكر كل شخص، ويقيم إجاباته ويناقشه في حلوله التي يقترحها.
والله إنها خطوة إيجابية لو تبنتها الجهة المعنية بتنظيم الانتخابات. ما المانع يا جماعة بإلزام كل مترشح أن يكون طرفاً في مناظرة علنية مع المنافسين له في الدائرة، أقلها يعرف الناس الغث من السمين، أقلها يعرفون من يستحق أن يصوتوا له، وإلا هكذا، فإن كثيراً من الأصوات ستذهب بأسلوب قائم على التخمين وبناء على السمعة ودون التأكد من أن الصوت منح للشخص الذي يستحقه.