أهي مجرد صدفة أن مدينتين تحملان الاسم نفسه؛ واحدة عربية أفريقية وأخرى عربية آسيوية، في طريقهما إلى تكريس إمارة «إسلامية» فيهما؟ الأولى الأفريقية هي الآن بالفعل واقعة تحت سلطة ميليشيا أنصار الشريعة، التي لا تخفي مشروعها الإسلامي وتحالفاتها العابرة لليبيا وربما لاحقاً تبايع الخليفة أبو بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية، فيما الأخرى اللبنانية يشهد «مشروعها» بوادر هزيمة نكراء على يد الجيش اللبناني، الذي يُبدي إرادة صلبة وعزيمة وخصوصاً تماسكاً ووحدة، لم يعد بمقدور أحد من الذين راهنوا على انشقاقه أو دعوا الجنود والضباط «السُنّة» للانشقاق عنه والالتحاق بـ «الثورة السُنيّة»، على ما وصفها أحد خطباء المساجد الداعشية التي تكثر في الفيحاء، والتي وُفرّ لها مظلة سياسية وأخرى إعلامية ودائماً تمويلاً كافياً وتسليحاً، ما لبثت أن تمرّدت عليه أو تنكّرت له أو لنقل، في أسوأ الظروف، قامت بالعمل لحسابها بعد أن ظنّت أنها «تمكّنت» وأن بمقدورها ركوب الموجة وإدخال لبنان وبخاصة مناطقه ذات الكثافة السكانية السُنيّة (شمال لبنان) في دائرة العنف والإرهاب وهلوسات إحياء أو إقامة دولة الخلافة التي يهجس بها «الإسلاميون الجدد» الذين أسهموا في إثارة الفوضى والقتل واستفادوا من تداعيات الأزمات التي تعصف بالمنطقة، ثم بدؤوا بمغازلة عواصم الغرب الإمبريالي -عبر وكيلهم وحاميهم ومُشغّلهم- السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان، ودائماً حلمه بسط هيمنته على بلاد العرب من خلال سوريا التي كان المرتكب الأكبر في ما آلت إليه أحوالها.ما بدأته جبهة النصرة وحليفها داعش في جرود منطقة القلمون واجتياح بلدة عرسال (السُنيّة في محيط شيعي) واختطاف عشرات الجنود ورجال الشرطة بهدف مقايضتهم بموقوفيهما «الإسلاميين» في سجن رومية، استكملته ميليشياتهما في مدينة طرابلس، ظناً من خلاياها النائمة وتلك المعروفة أن اللحظة قد حانت لفتح جبهة جديدة لاستنزاف الجيش اللبناني، وربما النجاح في شقّه وتشجيع عمليات الهرب «المذهبي» منه، وهو ما فشلوا فيه عندما اجتاحوا عرسال «السُنيّة» إضافة بالطبع إلى إحراج القيادات الطرابلسية السُنيّ، لأنها -في ظنّهم- غير قادرة على توفير مظلة للجيش كي «يفتك» بأبناء طائفتهم وخزّانهم الانتخابي والميليشياوي عند الحاجة، والذين دأبوا على دعمهم وتوفير الحماية لهم في المواجهات التي وصلت إلى عشرين جولة بين باب التبانة (السُنّي) وجبل محسن (العلّوي) حيث كان طرفا الأزمة من السياسيين كما رجال الدين يهرعون إلى الخنادق المتقابلة ويبدؤون المعركة بالذخيرة الحيّة بالكلام والبيانات (بعد التهدئة) وكان ذلك محتملاً أو مقبولاً، لأن الجيش كان يقف على الحياد وكل ما هو مطلوب منه توفير الهدوء والفصل بين المتاريس.المشهد مختلف الآن، إذ الهدوء يسود جبل محسن وأهله يبدون التزاماً كاملاً بالتهدئة ويحتكمون إلى الجيش وعنوانهم الدولة، أما قادة المحاور وخلايا داعش والنصرة (وغيرهما) فهم الذين حرّكوا «الجبهة» وعقدوا النيّة على إيذاء الجيش وتقليم أظافره تمهيداً لإعلان إمارتهم «السُنيّة»، وكان أن اكتشفت استخبارات الجيش خلية داعشية خطيرة، بعد أن اكتشفت قبلها مخازن أسلحة ومطلوبين في ربط دائري بدا وكأنه استعداد لإطلاق إشارة البدء واستقدام قوات من الدواعش، إما هرباً من الأماكن التي يُحاصرون فيها بالقلمون أو سعياً لاستنزاف الجيش وإغراق لبنان في فتنة سنية شيعية هي الممر الوحيد لتخفيف الضغط عن داعش والنصرة وباقي التكفيريين الذين بدؤوا بالانكفاء والتشرذم بعد الهزائم الميدانية التي لحقت بهم.اللافت هو الارتباك الذي هي عليه القيادات الطرابلسية السُنيّة التي ثبت بالوثائق والاعترافات أنها متورطة في توفير الحماية والدعم والمشورة للجماعات الإرهابية وتشجيع الجنود على الانشقاق، وأيضاً في الفشل الذريع الذي سجله التكفيريون في استعجالهم لقيام الإمارة، وتبكيرهم الصدام مع الجيش اللبناني، وقيل إن الخليفة إبراهيم (أبو بكر البغدادي) قد أرسل رسائل توبيخ وتقريع لإرهابيي طرابلس (الشرقية حتى لا ننسى) يلومهم فيه على تسرعهم في الاشتباك مع الجيش والكشف «المجاني» عن خلاياهم وسلاحهم، وكان الأحرى بهم -والأقوال منسوبة لأبي بكر- أن يتريثوا ويقرؤوا المشهد والظروف وموازين القوى جيداً قبل أن يقرروا الاشتباك مع الجيش.إمارة طرابلس اللبنانية سقطت أو ولدت ميتة، فيما تؤشر الأوضاع الميدانية إلى أن المشروع الذي أنيط بميلشيات طرابلس «الليبية» سيُلاقي المصير ذاته.. فلماذا كل الارتجال والتخبط والدموية؟.. اسألوا أنصار بيت المقدس في سيناء، الذين سفكوا دماء أبناء الجيش المصري، فيما «بيت المقدس» الذي يحملون اسمه أقرب إليهم من القاهرة وقصر الاتحادية الرئاسي، ما يؤكد أن «هدفهم» ليس القدس ولا فلسطين بل إيقاع الفتنة وإشاعة ثقافة الإرهاب والقتل.- عن جريدة «الرأي» الأردنية
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90