الاقتصاد الوطني هو الملف الذي تتحاشاه المجالس النيابية المتعاقبة على مدى ثلاث دورات؛ رغم وجود من اهتم بهذا الملف من النواب والكتل البرلمانية، ولكنه اهتمام محدود بل يمكن وصفه بأنه مخجل للغاية.
الكثير من الأولويات البرلمانية التي تعكس اهتمامات المواطنين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الوطني، فلا يمكن زيادة الرواتب دون زيادة دخل الدولة وتقليل العجز والدين العام، وكذلك الحال بالنسبة لمعالجة الأزمة الإسكانية وتحسين مستوى المعيشة.
ومع ذلك نجد الكثير من المترشحين وحتى النواب السابقين عندما يسعون لطرح الكثير من المشاريع فإنهم يتجاهلون الوضع الاقتصادي العام للدولة، واستمرار اعتمادها على الدعم الخليجي الذي سيظل فترة من الزمن ثم سينتهي، وقد يكون بلا عودة.
الدولة البحرينية انتهت للتو من أزمة سياسية وأمنية عميقة أثرت كثيراً في قدراتها الاقتصادية، وخلقت أمامها العديد من التحديات والاحتياجات. وهو ما ينبغي أن يفرض على جميع المترشحين الاهتمام بهذا الجانب المسكوت عنه، بدلاً من تركه فقط للسلطة التنفيذية لتعمل عليه، وتحاول تنفيذ معالجات متنوعة قد تكون موفقة وقد تكون غير موفقة.
المسؤولية في الملف الاقتصادي لا تقع فقط على الحكومة أو على القطاع الخاص نفسه؛ بل على السلطة التشريعية التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها وتساهم في معالجة تحديات هذا الملف الشائك.
بنظرة سريعة في البرامج الانتخابية المتاحة حتى الآن من المترشحين، يمكن ملاحظة تكرار الخوف من الملف الاقتصادي الذي قد يعكس جهلاً أساسياً فيه، وإصراراً مقصوداً بتجاهله، وكأنه ليس من مسؤوليات السلطة التشريعية بتشكيلها المقبل.
هناك الكثير من القضايا الاقتصادية التي تنتظر المجلس النيابي القادم، وأهمها على الإطلاق مشروع إعادة توجيه الدعم الحكومي الذي يمكن من خلاله تنفيذ مشاريع ضخمة، وتحسين مستوى المعيشة بشكل مباشر وغير مباشر، بدلاً من أن يكون هناك هدر في مواردنا المالية بالطريقة التقليدية السائدة الآن، والتي كانت سائدة منذ عقود طويلة.
فهذا المشروع الاقتصادي الهام الذي أنجزت دراساته وتصوراته النهائية بحاجة ماسة لدعم نيابي قوي حتى تتمكن الحكومة من تنفيذه بدلاً من إثارته إعلامياً منذ الفصل التشريعي الأول (منذ العام 2002 وحتى الآن)، وإنجازه سيؤدي فعلاً إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتحقيق وفر مادي ضخم في ميزانية الدولة ليستفاد منه في أوجه صرف تمثل أولوية لجميع المواطنين.
الملف الاقتصادي إذا تم تجاهله من المترشحين الآن؛ فإن ذلك يعني استمرار تجاهله في المجلس النيابي المقبل، واستمرار ظاهرة الهروب من المشاكل والتحديات الاقتصادية للسنوات الأربع المقبلة.