فيلم قصير وصلني على «الواتسب» يظهر ثلاثة من الصبية «البحرينيين» وهم واقفون في مكان ما في أحد شوارع لندن ويرفعون شعارات ضد «وطنهم»، يأتيهم عدد من شرطة لندن ويطلبون منهم بهدوء عدم الوقوف حيث هم والذهاب إلى مكان آخر قريب لأسباب ربما تتعلق بعدم حصولهم على ترخيص أو أن الترخيص لا يشمل ذلك الموقع، لكن الصبية يفتعلون موقفاً يحاولون من خلاله أن يظهروا أنفسهم أبطالاً، فيناقشون الشرطة بصوت عال ويصرخون في وجوههم ويعتبرون وقوفهم في ذلك المكان حقاً يكفله القانون، ثم بعد أن لا يجد أعوان الشرطة سبيلاً للتفاهم معهم يقتادونهم عنوة إلى حيث المكان الصحيح، بينما الصبية يرفعون أصواتهم بالشعارات الفارغة باللغتين العربية والإنكليزية.
الهدف كان واضحاً، هم يعرفون القوانين في بريطانيا، ويعرفون تماماً أن الشرطة لن تعتقلهم، لذا كان لا بد من استفزازهم كي يتصرفوا بالكيفية التي تصرفوا بها، بينما يقوم زميل لهم بتصويرهم والشرطة يقتادونهم ليظهروا أنفسهم وكأنهم يقومون بعمل بطولي «يغري» الفضائيات السوسة، وعلى رأسها فضائية العالم الإيرانية، فتقرر بث الفيلم!
في فيلم آخر يظهر صبي آخر واقفاً في مكان ما في لندن أيضاً وهو يمارس هواية السب والشتم ويرفع الشعارات الفارغة، ويحاول أن يظهر نفسه بطلاً أيضاً بالظهور في مظهر المتحدي، في صورة تعبر عن مدى افتقار «المعارضة» للأخلاق و«السنع».
هذا للأسف هو مستوى بعض «المناضلين» في الخارج، لا يعرفون سوى ذلك سبيلاً ليعبروا عن موقفهم الرافض لكل شيء، لذا فإنهم لا يمكن أن يحققوا أي مكسب، إلا إن كانوا يعتبرون ما قاموا به وتم تصويره ورقصت عليه الفضائيات السوسة مكسباً وانتصاراً.
ما قام به أولئك الصبية وقام به من قبل آخرون اختاروا البقاء في الخارج لسبب أو لآخر في أكثر من عاصمة أوروبية؛ يؤكد أنهم مجرد صبية صغار، ويؤكد أن «المعارضة» لا تمتلك أية قدرة على المواجهة، فمن يلجأ إلى السب والشتم والصراخ يعني أنه لم تعد لديه أدوات أخرى يمكن أن يعبر من خلالها عن مطالبه ويؤكد أنه يفتقر إلى الحجة.
ليس أولئك فقط، ولكن حتى كثير ممن هم في الداخل ويطرحون أنفسهم على أنهم «معارضة» لا أدوات لديهم غير السب والشتم والصراخ ورفع الصوت بالشعارات الفارغة التي تقطع كل طريق على التفاهم، ولا ينتج عنها ما يمكن أن يوصل إلى المساحة المشتركة التي تعين على التوصل إلى حلول وسط.
هـــذا يعني أن على «المعارضة» أن تراجـــع نفسها وتنظر في أمرها، وأن تختار طريق مقارعة الحجة بالحجة واعتماد الحوار سبيلاً لـ «النضال» بدل هذا الأسلوب القميء الذي لا يمكن أن يوصل إلى مفيد، بل على العكس يزيد من تعقيد المشكلة ويقلل من شأن «المعارضة» ويقدمها للعالم بهذا الشكل الهزيل.
ما قام به أولئك الصبية في لندن أضحك على «المعارضة» كل من شهده وكل من شاهد الفيلمين، وينبغي أن يرد عليه من قبل المنظمات الحقوقية التي تدعي أنها مع الحق، فليس ما قام به الصبية هو الحق، وهو ليس الطريق إلى الحصول على الحقوق، فمن حق الآخر أيضاً ألا يصله منهم ما يفيض به قاموس الشتائم والسباب المتغلغل فيهم. كما أنه لا يمكن لـ «المعارضة» أن تدعي أنها سلمية وهي تمارس العنف والتخريب وتنشر الأذى، كذلك لا يمكن لها أن تدعي الأخلاق وهي تمارس كل هذا الذي أثبته الفيلمان وأثبتته أفلام أخرى كثيرة سابقة.
إذا كان هذا هو مستوى «المعارضة» فأي مستقبل تبشرنا به؟ وأي مجتمع تريد أن تنقلنا إليه بصراخها؟ وأية دولة يمكن أن يسوسها أفراد يعتبرون السب والشتم مثل شرب الماء؟