في عام 2006 كتبت مقالاً بعنوان «على الوعد يا كمون»، حقيقة أن المقال كان منسجماً ويعكس الصورة التي كانت تعيشها البلاد في ذاك الوقت بنفس التوقيت الزمني الذي نعيشه الآن ألا وهو الانتخابات النيابية والبلديات، فلماذا هذا العنوان بالذات؟ وما هي علاقته مع الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد من العرس الديمقراطي الذي يتجدد كل أربع سنوات بفعل المشروع الإصلاحي الذي أرسى دعائمه العاهل المفدى.
حقيقة «الكمون» هو نوع من أنواع البهارات الشائع استخدامها في المطبخ الشامي الخليجي وحتى الهندي، والكمون يعني باللهجة البحرينية «السنوت». تتميز نبتة الكمون أو السنوت أنها نبتة تحتاج إلى القليل من الماء للسقيا. فيحكى أن مزارعاً كان لديه بستان مليء بالخيرات ولمح أن نبتة الكمون تنمو وتزهر من دون الكثير إلى الماء، فأصبح رويداً رويداً يخفف عنها الكمية المعهودة فلاحظ أن إنتاجها لا ينضب وأمورها تسير بالشكل اليسير. فبعد هذا التغيير غير الطيب قامت واعترضت نبتة الكمون، فحينها استدرك المزارع غضب النبتة وقطع لها وعداً بترجيع الأمور إلى أحسن مما كانت عليه وأصبح كل يوم يمر بجانبها، فتسأله النبتة: «أين الوعد؟»، فيرد عليها «نحن على الوعد يا كمون». وكل يوم على هذا الحال إلى أن توفى المزارع ومات معه الوعد، ومن ذلك الزمان أطلق هذا المثل عندما نعلم أن الوعد سيكون حال تنفيذه كما صار مع نبتة الكمون أو «السنوت».
وليس من داعٍ أن نمحص نظرنا أو نعمل دراسة للأمر عن قرب أو نستعين بعدسة تكبير لأننا سوف نرى رأي العين المجردة كيف أن حال الناس منقسماً في هذه الأثناء، إما بين «المزارع» أي المرشح أو نبتة «السنوت» أي «الناخب». الأول يرمي بوعوده يميناً ويساراً وما إن طرق باباً أو شارك مجلساً إلا وبدأ بنشر ما تم حفظه مسبقاً وتحضيره على الورق بإطلاقه بين الجميع والناس تسمع وتلوح برأسها يميناً ويساراً، وأحياناً لا تعطي اكتراثاً لما تسمعه سوى من باب المجاملة وأنه ما عدنا نقف عند هذه الكلمات الرنانة والشعارات الحساسة التي تثير الفرحة داخل النفوس. فنحن لا نقول بأن الجميع سواسية، بهذا أكون قد ظلمت نفسي أولاً وظلمت من كان يعمل جاهداً لتثبيت القواعد في مقامها الصحيح وتطبيق الحق والمحاولة والسعي في تصليح الباطل.
حقيقة ما تحتاج إليه البلد هو أناس لديهم إلمام بكافة المجالات، وأولها الشأن السياسي الداخلي المبني على الاطلاع للوقائع وليس كما تسوق إليه أفواه الجهلة الذين يأخذون الكلام ويدورونه كما يشاؤون. في المقابل كل إنسان بحريني يمكنه أن يتمتع بتنفيذ هذا الأمر الديمقراطي الذي تتميز فيه البلد وأن يرشح نفسه للانتخابات، فلا أحد يمنعه من ذلك، ولكن يوجد من يمنعه من أن يتبوأ هذا المنصب الحيوي الحساس وهو «العقول الواعية» للناخبين. العقول التي لا بد أن تبني آلية الاختيار على معايير الإنتاجية الحقيقية وليس فقط معايير الصحبة والعائلة والنسب. فلا يجوز أن تُدار البلد بطالع عشوائي وفي النهاية لا يمكننا أن نحمّل أحداً المسؤولية، ولا بد أن نحمل نحن أنفسنا المسؤولية.
فنحن في بلد ميزته أنه صغير بالمساحة الجغرافية والتي يتسنى لكل واحد فينا أن يعرف التقرير الشامل والكافي عن كل مرشح وأن يدلي حينها بصوته بقناعة ورضى وليس من باب المجاملات التي يمكن أن تودي البلد إلى الهلاك.
الأمنيات كثيرة بأن يكون العرس الانتخابي يوماً مميزاً من أيام الوطن الراسخة في الذاكرة، كي لا نردد ما قاله الشاعر:
لا تجعلوني ككمون بمزرعة
إن فاته السقي أغنته المواعيدُ