هل بالفعل ضحت الإدارة الأمريكية بجنودها المنتشرين في عدد من الدول العربية ومن بينها دول الخليج العربية؟!
تدور حالياً حوارات غير رسمية واسعة النطاق بين الجنود الأمريكان الموجودين في الشرق الأوسط، حيث يتزايد الشعور بأن حكومتهم قدمتهم قرابين لأجندة سياسية قديمة وطويلة المدى من أجل التغيير السياسي في المنطقة وهم مجرد قرابين لهذه العملية الخاصة.
فمنذ حرب الخليج الثانية التي تحررت فيها الأراضي الكويتية في العام 1991 كان الهدف حينها هو حماية المصالح الأمريكية في الخليج العربي، وضمان أمن الطاقة، وتحرير الحلفاء من بطش النظام العراقي السابق خلال حكم صدام حسين. وبالفعل كان التورط العسكري في ذلك الوقت من أجل هذه الأهداف كما تم تصويره للجنود الأمريكان، وجاؤوا بأعداد هائلة فاقت مئات الآلاف، وتمكنوا بتحالف دولي تاريخي من صد القوات العراقية وإنهاء احتلالها للكويت، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
استمرت القوات الأمريكية بالتواجد في المنطقة بعدة أشكال، قواعد عسكرية دائمة، ومراكز تدريبية عسكرية، وتواجد عسكري بحري وجوي دائم، وكان المبرر هو ضمان أمن الحلفاء في الخليج، وحمايتهم من الترسانة العسكرية العراقية التي كانت توصف غربياً بأنها «أسلحة الدمار الشامل».
فجع العالم بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقررت حينها الإدارة الأمريكية شن الحرب العالمية ضد الإرهاب، وقررت خوض حربين عسكريتين في أفغانستان والعراق. في أفغانستان لم تتمكن حتى الآن من القضاء على الإرهاب المتنامي هناك، ومازالت حركة طالبان قوية ومنتشرة ميدانياً. واستطاعت إسقاط النظام العراقي السابق وذلك باسم القضاء على الإرهاب ونشر الديمقراطية. فهل حققت هذه الأهداف؟
مازالت أفغانستان بعيدة عن الديمقراطية والإرهاب متجذر فيها، وفي العراق سقط النظام ولم تظهر الديمقراطية لأن واشنطن استبدلتها بثيوقراطية إيرانية حاكمة في بغداد إلى اليوم.
في خضم هذه الأحداث كان الجنود الأمريكان هم القرابين الذين ضحوا بأنفسهم وبأموال دافعي الضرائب من المواطنين الأمريكيين، فكانت الخسائر كارثية من حيث الجنود الذين لقوا حتفهم في هذه المغامرات، أو على صعيد النفقات العسكرية التي كان يفترض أن يتم استخدامها لحماية الرخاء الأمريكي وتعظيمه، فهل يستحق جنود واشنطن كل ذلك؟ خاصة وأن حماية المصالح الأمريكية ليست هدفاً في هذا كله، بل بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وتجاه الخليج العربي ظهرت بيئة غريبة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.
لم تتحقق الديمقراطية في الشرق الأوسط، والخليج العربي، بل صارت هناك ظروف من الممكن أن تؤثر سلباً على المصالح الأمريكية، وعلى آلاف الجنود الأمريكان الذين يمكن استهدافهم في هذه البيئة. ومن المفارقات هنا، أن واشنطن تؤكد التزامها بأمن الحلفاء في الخليج العربي، ولكنها تتحفظ على تصدير الأسلحة العسكرية لهم، وتؤكد التزامها بأمن الطاقة العالمي من الخليج، ولكنها تمارس سياسات ضارة بأمن الطاقة بعد أن خلقت بيئة غير مستقرة لا يمكن أن تحمي أمن الطاقة.
في النهاية يبقى الجنود الأمريكان مجرد قرابين لمغامرات واشنطن الفاشلة، وهي التي دفعت «حلفاءها» في الخليج إلى البحث شرقاً عن شراكات جديدة.