رغم الإشادات المتوالية منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن وبعده الإدارات الأمريكية المتعاقبة لمشروع التحول الديمقراطي في البحرين، وحرص هذه الإدارات على دعم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في المنامة منذ فترة طويلة. إلا أنه جاء الوقت لكشف حقيقة مهمة تعكس مدى قناعة الولايات المتحدة بالديمقراطية ومصداقيتها في هذا الشأن.
قبل سنوات عدة زارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس المنامة في إطار زيارة للمنطقة، وخلال هذه الزيارة فاجأت المسؤولين في البحرين بتصريح لافت لها عندما كان النقاش حول الإصلاحات التي قامت بها المملكة، والتوافق الكبير على تطوير هذه التجربة بما يتناسب مع ظروف وثقافة المجتمع تدريجياً. صعق المسؤولون عندما قاطعت رايس هذا الحديث المسهب، وقالت: «البحرين ليست بحاجة لديمقراطية أو برلمان»!
حاول المسؤولون الحاضرون في تلك الجلسة الاستفسار من الوزيرة الأمريكية عن هذا الكلام، فقالت ببساطة إن البحرين ليست بحاجة لديمقراطية، فلديها نظام حاكم، والشعب ليس بحاجة لتمثيل في أي مؤسسات أو برلمان، ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تتعامل مع الحكومة مباشرة بدلاً من أن تكون هناك عوائق من خلال البرلمان الذي تتحكم فيه الجماعات السياسية، فالتفاهمات المباشرة أفضل بكثير من تلك التفاهمات التي تتم عبر عدة مؤسسات.
الطرح الذي قدمته رايس بشأن البحرين في تلك الفترة التي سبقت الثورات الشعبية العربية مهم للغاية، فهي التي تولت حقيبة وزارة الخارجية الأمريكية «2005-2009» في فترة تاريخية مهمة، وهي الفترة التي شهدت تحولاً أمريكياً تجاه الحرب على الإرهاب، وهي الفترة التي شهدت تبعات غزو العراق وأفغانستان. إضافة إلى ذلك فإن رايس هي التي أعلنت مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومشروع الفوضى الخلاقة التي نراها اليوم في المنطقة.
حديث رايس يعطينا درساً بشأن مدى تمسك الأمريكان بالديمقراطية التي لا قيمة لها لديهم مادامت مصالحهم تأتي قبل ذلك ولا يكترثون كثيراً بما يمكن أن يتعرض له الحلفاء، وأبرز مثال على ذلك ما يحدث الآن في العلاقات الخليجية-الأمريكية.
لا معنى للتحالف مع دول الخليج العربية ودعم التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط مادامت المصداقية الأمريكية غير ذات مغزى، ولا تخدم مصالح أي طرف، بل تضر جميع الأطراف.
مجدداً فإن مصداقية واشنطن بشأن الديمقراطية تساوي صفراً، والدول الخليجية والعربية ليست بحاجة بعد الآن إلى نصائح أمريكية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فديمقراطياتنا وأنظمة حكمنا يجب أن تكون من صنعنا نحن وليس لواشنطن وغيرها شأن فيها أو فينا.