الجمعية السياسية التي نشرت إشارات عنها الأسبوع الماضي وذكرت أنني علمت أن مجموعة من البحرينيين يمثلون مختلف أطياف المجتمع ممن ضجوا وملوا من فعل السياسة اتفقوا على تأسيسها، وأن رؤيتهم تعتمـــد العمـــل الاجتماعـــي وتطـــرح الحــل اللاسياسي، تبين أنهم يقتربون من ترجمة حلمهم إلى واقع وبعمل مختلف عن الذي تمارسه هذا النوع من الجمعيات، فعملهم السياسي ينطلق من المجتمع ويستهدفه.
قبل أيام التقيت ببعض المتحمسين لهذا المشروع وأطلعوني على الورقة الأساس التي قالوا إنهم اعتمدوها كبرنامج سيتم الإعلان عن تفاصيله في الوقت المناسب. في تلك الورقة تحدثوا عما أسموه «استراتيجيات المحيط الأزرق»، وهي عبارة مقتبسة من قاموس رجال الأعمال، وهي – كما فهمت - تعني أن باستطاعة الشركات تحقيق النجاح والتميز ليس عن طريق محاربة المنافسين وتحويلهم إلى أعداء ولكن من خلال إيجاد «محيطات زرقاء» في المساحات غير المتنافس عليها في السوق، فالنجاح لا يكون في جزء من المساحة فقط ولكن يمكن تحقيقه أيضاً في الأجزاء الأخرى التي ربما لم يفكر فيها الآخرون أو لم تلفت انتباههم أو لم تستغل الاستغلال الأمثل، وبلغة رجال الأعمال فإن هذه الاستراتيجية يتوقع منها دائماً أن تحدث نقلة كبيرة في القيمة الإضافية للشركات والزبائن والموظفين وتقلل من أهمية المنافسين.
الورقة الأساسية تتضمن أيضاً أموراً مثل أهمية الابتعاد عن التنظير وعدم السماح له بأن يكون على حساب العمل، فالعمل هو الأساس الذي به يمكن أن تحمي المكتسبات والقيم المجتمعية ودعائم الاقتصاد وكل الوطن.
أحدهــم سألنــي إن كــان الترتيــب الوحيــد المتاح للعناوين التالية «الديمقراطية، حقوق الإنـــسان، رفــع مستــوى المعيشة والتنميــة المستدامة» هو بهذه الطريقة التي تم ترتيبها هنا، فقلت هكذا يعتقد الغالبية من الناس، فقال لي هل إذا غابت الديمقراطية أو تأخر وصولها أو وصولنا إليها، وحدث خلل في حقوق الإنسان نتوقف عن العمل وعن رفع مستوى المعيشة والتنمية؟ وأجاب عن سؤاله بنفسه، ليس منطقاً القول إنه ينبغي أن تتوفر الديمقراطية لتتوفر حقوق الإنسان وليتحقق من ثم رفع مستوى المعيشة والتنمية، فما يهم الناس بالدرجة الأولى هو رفع مستوى المعيشة والتنمية وليس الديمقراطية وحقوق الإنسان خصوصاً إن اقتصرت على الشعارات.
من سألته عن فلسفة الجمعية ورؤيتها قال لي أيضاً إن لديهم مشروعاً تنموياً مبتكراً يرون أنه يقود إلى علاج أزمة البحرين الاجتماعية والاقتصادية، وأنه مبني على أساس العمل التطوعي وتحمل المسؤولية الاجتماعية بمشاركة كل فئات وأطياف المجتمع التي عليها في هذه الحالة أن تضع جانباً خلافاتها السياسية، وأضاف، نحن نتحدث عن حل لاسياسي، حل تنموي، مبيناً أنه إذا كان المنطلق سياسياً فهذا يعني أننا نوظف التنمية لخدمة السياسة، لكن إذا كان المنطلق تنموياً فهذا يعني أننا نوظف السياسة لخدمة التنمية، وهذا الأخير هو ما نفتقده في البحرين.
عن المحيط الأزرق الذي يتبنون استراتيجيته، قال هذه العبارة تعني بناء على ما تم شرحه «الحشد التطوعي لرفع مستوى المعيشة»، لكنه اكتفى بذلك وطلب الانتظار حتى تتكلل أمورهم بالنجاح.
كان أحد القراء قد أرسل لي «واتسبة» تعليقاً على المقال السابق عن هذه الجمعية المشروع، ورأى أن الجمعيات السياسية لن تتردد في مضايقتها وربما محاربتها، مبرراً ذلك بأن هذا النوع من الجمعيات يؤثر سلباً على سوق الجمعيات السياسية التي تعتمد رفع الشعارات لكنها لا تعمل على أرض الواقع ولا يصل خيرها إلى الناس.
ما يهم المواطنين الآن هو الخروج من عنق الزجاجة الذي انحشرنا فيه ورأب الصدع المجتمعي الذي للأسف يتعمق كلما استمرت المشكلة وتأخر حلها، فهل نجد الخير في المحيط الأزرق؟.