ضمن محاضرته المتميزة الجمعة الماضية بمركز عيسى الثقافي والتي نظمتها جمعية الصحفيين البحرينية تطرق الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ضمن حديثه عن تطورات الأوضاع في الدول العربية والشرق الأوسط إلى مسألة العزم على محاربة داعش، ورأى أن تحالف هذا العدد من دول العالم لضرب منظمة متطرفة أساءت بسلوكياتها إلى الإسلام وإلى الإنسانية والقيم والأخلاق مسألة تبعث على الارتياح وخطوة مهمة لكنها غير كافية ولن تحقق أي نتيجة موجبة لو اقتصر الأمر على العقاب دون البحث في الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه المنظمة وغيرها من المتطرفات، منبهاً إلى أن غض الطرف عن الأسباب نتيجته المنطقية هي عودة هذا التنظيم وغيره من التنظيمات التي اتخذت من العنف منهجاً وإن في أشكال وأسماء وصيغ أخرى. في هذا الصدد كتب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات الدكتور عبد الخالق عبد الله في صفحته على التويتر أنه «من المحتمل أن هزيمة داعش سيترتب عليها تقوية ميليشيات شيعية عراقية، أي أن أمريكا في سياق قضائها على وحش ربما تخلق وحشاً أكثر خطورة».وهكذا كتب وقال آخرون من المتابعين للشأن السياسي والمتخصصون في الحركات المتطرفة التي تمارس العنف كي تصل إلى أهدافها، وهذا كله يعني أن طريقة المعالجة خاطئة وأنها لن توصل إلى مفيد وتجر بشكل تلقائي إلى الاعتقاد بأن قرار ضرب داعش إنما يراد منه أمور أخرى مثل تقسيم العراق وإضعاف قدرات سوريا كي يتم التمكن من هزيمة نظام بشار الأسد الذي لا يزال صامداً رغم كل الضربات الموجعة وتقسيم سوريا، ويعني أيضاً أن داعش ليس إلا نصاً من تأليف أمريكي غربي بمشاركة مؤلفين آخرين من بينهم عرب!ما لم ينتبه له الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص هو أن العقل العربي نما وتطور خلال الفترة الماضية بسبب التجارب التي مرت بها البلاد العربية والضربات التي تلقتها على مدى السنين الماضية فصار صعباً تمرير كل ما يراد تمريره عليه فهذا الأمر لم يعد يسيراً، ويكفي معرفة أن الشعوب العربية اليوم تعرف جيداً أن ما ستقوم به الولايات المتحدة التي سعت لتشكيل التحالف لضرب داعش لم تقم بذلك من أجل سواد عيون العرب ولكن من أجل مصالحها، ومصالحها فقط. هذا تطور في العقلية العربية لم تنتبه إليه هذه الدول التي من الواضح أنها لا تزال تفكر بالأسلوب التقليدي ولا تؤمن بتطور العقول واكتساب الآخرين للخبرات، فأهدافها الضيقة ومصالحها لا تعينها على النظر إلى كامل المشهد فتعتقد أن الزمن لا يزال زمن «الكاوبوي» الذي يخرج لإنجاز مهمة محددة وأنه لا يعرف طعم الهزيمة. اليوم الجميع متفق على أن داعش منظمة متطرفة تمارس الإرهاب باسم الدين، واليوم الجميع صار يخشى هذه المنظمة وغيرها من المنظمات المتطرفة والتي وفرت الأمثلة تلو الأمثلة على إيمانها بالعنف واتخاذه استراتيجية لها واتخذت من العراق وسوريا ساحة لذلك، واليوم الجميع أبدى استعداده للمشاركة في تقليم أظافر هذه التنظيمات تمهيداً للقضاء عليها، لكن كل هذا لا يمكن أن يحقق نتيجة موجبة إن اقتصر الأمر على توجيه الضربات أياً كان نوعها وحجمها، فإن لم تبحث الأسباب وتدرس بعناية وبموضوعية ويتم العمل على عدم السماح ببروزها من جديد فإن كل هذا الذي سيقومون به لن ينتج عنه سوى مزيد من التشدد والتطرف والعنف ومزيد من التنظيمات المتطرفة التي تعتمد العنف استراتيجية ولا تعطي أي اعتبار لأي تحالف وإن كان بقيادة الولايات المتحدة، وإن لم يقتصر نشاطه على توجيه ضربات من الجو.ما قاله موسى وآخرون صحيح، فالإرهاب لا يهزم هكذا.