البطانة لها دور كبير
في ازدهار الأمم والشعوب ولها دور أيضاً في نكبتها وصراعاتها وإشعال الفتن التي تترصد الدولة من الداخل والخارج، فأصحاب السوء والبطانة غير الصالحة تجول بين كل جانب حتى تصل إلى ثغر صغير تتغلغل فيه حتى تكبر
كثر هم، بل أصبحوا مكشوفين للجميع، الموظفون والأشخاص المتسلقون الذين يحاولون الوصول إلى أصحاب القرار من أجل مصلحتهم الشخصية، أو لمآرب أخرى تتعلق بحزب معين أو طائفة أو كتلة، هم تلك الفئة التي تتودد بكل الطرق والسبل من أجل أن تحظى بثقة مدرائها أو مسؤوليها في العمل، فبهم تبدأ بؤرة الفساد وتنتشر عندما يعطون مكانة أكبر من حجمهم، فمن المحزن أن يكونوا بعد ذلك هم البطانة التي تكون لصيقة لكل قرار، «يخيطون ويبيطون» في كل صغيرة وكبيرة دون أي رقيب أو حسيب. فالبطانة نوعان بطانة صالحة، تفوق فيها قرارات المصلحة العامة من الاصطياد في الماء العكر أو من أجل المصلحة الشخصية، وتلك هي بطانة السوء، مبتغاها أن ينشغل الناس بمشاكل ونزاعات لا تنتهي أبداً.
التاريخ يحمل في ثناياه العبر والعظات لمن يعتبر، فتاريخ الشعوب هو محصلة لتجارب يفترض أن نفهمها حتى لا تتكرر فيها النهايات المؤلمة، فملكة سبأ التي حكمت مملكة عظيمة برجالها ونسائها، اتخذت البطانة الصالحة حصناً حصيناً في مشورتها لشؤون البلاد والعباد، ولولا تلك البطانة الصالحة لدخلت بلقيس في حروب مهلكة مع سيدنا سليمان عليه السلام لما يملك عليه السلام من مقومات النصر، فبالمشورة الطيبة والنخبة من المستشارين التي اتخذتهم بلقيس كانت السلامة لمملكة عريقة وقوية.
من جانب آخر للبطانة، ما حدث أيام الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد مع البرامكة، هو بالتحديد عبارة عن موظف أو مسؤول يريد فساد الأمة ومحاولاته المتكررة حتى يصل إلى أصحاب القرار، وعندما يصل إلى مبتغاه يكون خلية تابعة له من قرابته وأهله أو طائفته حتى يكونون الدرع الواقي لفساده، فالبرامكة هم في الأصل مجوس من عبدة النار وصلوا لمناصب عليا في الدولة، فقد كانوا يهمشون ويقصون العرب من مناصبهم حتى يصلوا هم إلى تلك المناصب ويسيطرون على الدولة الإسلامية، وتيقن هارون الرشيد بعد ذلك ولمحاولتهم الخبيثة لوضع النار داخل الكعبة، «والأصل دساس». ولو ضربنا ذلك في حياتنا اليوم لوجدنا بأن التاريخ حاول أن يعيد نفسه لولا حفظ الله لنا.
إمام المسجد دائماً يردد في دعائه «اللهم ارزق ولاة أمورنا البطانة الصالحة»، فما معايير أو صفات تلك البطانة الصالحة في زمن بات كل شيء يسير على عقب، فبعض الناس اتخذوا من الدين ستاراً لأفعالهم المشينة، ينادون بقال الله وقال الرسول وهم قد خطو خطوات بعيدة عن الله ورسوله، وهناك من يدعو إلى نبذ الطائفية ووحدة الصف وهو أول من يتمرس الطائفية في عمله، وهناك من يؤتمن في موقعه على بلده ويكون يداً معاونة لدولة أخرى يعمل ضد بلده ومن أجل مصلحة دول أخرى.
فالبطانة لها دور كبير في ازدهار الأمم والشعوب ولها دور أيضاً في نكبتها وصراعاتها وإشعال الفتن التي تترصد الدولة من الداخل والخارج، فأصحاب السوء والبطانة غير الصالحة تجول بين كل جانب حتى تصل إلى ثغر صغير تتغلغل فيه حتى تكبر، حينها لن ترحم هذه الفئة من سمح لها بالولوج للداخل، ولن تكون بعدها بحاجة إلى مساندة أصحاب القرار لأنهم حينئذ سيكونون من أصحاب القرار. البطانة الصالحة هي التي تبتعد عن حب الذات والأنانية، البطانة الصالحة هي من تنقل هموم الشارع إلى أصحاب القرار بكل أمانة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وبطانة المرء هو قلبه فإن صلحت نواياه أصلح من حوله، وإذا فسد قلبه بالكره لمن حوله أشعـــل البلـــد بالنـــار.