استيقظ الغرب أخيراً، فقرر محاربة الإرهاب من بوابة «داعش»، وأن حربه الكبيرة التي سوف يخوضها، هي عبر تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبهذه المناسبة، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطاباً فيه الكثير من التناقضات، والكثير من التركيز على أهمية تقديم المصالح الأمريكية على المصالح الدولية والإقليمية بكل صراحة ورباطة جأش.
أوباما قرر ضرب «داعش» بالوكالة وليس عبر الجيش الأمريكي أو الأوروبي مباشرة، وأكد أنه لن يرسل أي من قواته البرية، بل ستقوم بعض الجيوش العربية بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر، حفاظاً على أرواح الجنود الأمريكان، وبهذا يكون ثمن الإنسان الأمريكي أكثر قيمة من كل الجيوش العربية، وهذا ما بدا واضحاً كذلك، حين نحرت «داعش» اثنين من الصحافيين الأمريكان مؤخراً، في حين لم تحرك أمريكا ساكناً، عندما نحرت «داعش» الآف العرب من المدنيين والعسكريين!
وإن كان خطاب أوباما خطاباً استراتيجياً كما يقول المحللون، إلا أن اللافت فيه أنه لم يحدد سقفاً زمناً للعملية العسكرية ضد الإرهاب، ولم يحدد قيمة الفاتورة التي ستكلف الدول المتحالفة ضده، ومن الذي سيدفع ثمنها، وهذا هو الأهم عند الرأسمالية العالمية، وبهذا فإن الأمور تبدو غير واضحة وغير دقيقة في هذا المجال، ولهذا ذهب الاستراتيجيون إلى أن الحرب القادمة ضد «داعش» قد تستمر لأكثر من نحو 1096 يوماً، وأن من سيدفع فاتورة هذه الحرب، الدول العربية وحدها!
من جهة أخرى، لم ينل خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما أي تعاطف دولي بسبب ضبابيته وعدم وضوح الرؤية الكافية لمبانيه، فدول الخليج العربي اتخذت موقفاً صامتاً حول هذا الأمر، كذلك تركيا والأردن، بينما المحور الثلاثي»روسيا وسوريا وإيران»، اعتبرت خطاب أوباما معادياً لها، وأنه لم يشركها في محاربة الإرهاب، بل على العكس من ذلك، حيث أكدت رفضها دعم المعارضة السورية المسلحة، كما أنها أكدت رفض فرض عقوبات جديدة على روسيا، في حين اعتبر هذا المحور الثلاثي نفسه من أهم المحاور المعنية بمحاربة «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية المسلحة التي لم يخترها أوباما في تحالفه ضد الإرهاب.
أما في أمريكا، فقد شن الحزب الجمهوري حرباً مضادة لاستراتيجية الرئيس الأمريكي، معتبراً أن خطوته في محاربة الإرهاب ليست في مسارها الصحيح، بينما تحفظتْ غالبية الدول الأوروبية حول خطة أوباما، سوى الرئيس الفرنسي الذي اعتبرها فرصة لتعويض خيباته وإخفاقاته على الصعيد المحلي والدولي، وأن تأييد باريس لخطة أوباما ربما تفتح لها أبواباً جديدة في بغداد.
من أهم وأبرز ما أكد وأجمع عليه كل المحللين السياسيين في العالم حول خطاب أوباما الأخير، هو تأكيده على إمكانية ملاحقة «داعش» داخل الأراضي السورية، وهذا لو تم عسكرياً، فإنه سيخلق مجموعة من الأسئلة والفرضيات السياسية والعسكرية التي لها انعكاسات مباشرة وخطيرة على كل دول المنطقة، فهل حسب السيد أوباما كل هذه الاحتمالات والخيارات السيئة؟ وهل سيدفع دولاراً واحداً من الخزانة الأمريكية لدعم ومحاربة الإرهاب؟ أم على العكس من ذلك، حيث سيحاول من خلال حربه ضد «داعش» أن يملأ خزانة طالما أفلستْ بُعيد الأزمة المالية العالمية؟
البعض بدأ يتهكّم ويسخر من خطاب الرئيس أوباما حين أعلن تشكيل تحالف دولي ضد «داعش»، حيث تساءلت هذه المجاميع الساخرة، هل أصبحت «داعش» أمبراطورية عظمى كي يحتاج أوباما لكل هذا الحشد الدولي ضدها؟ أم أنه الخداع الأمريكي المتأصِّل في سياساتها ضد هذه المنطقة المنكوبة قبل «داعش» وما بعدها؟ فالتجارب الأخيرة تقول، إن أمريكا «ما تهرول عبث».