كان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بوقف نشاط جمعية الوفاق لمدة ثلاثة أشهر بسبب مخالفاتها وتجاوزاتها لقانون الجمعيات السياسية باعتبارها منضوية تحته ومسجلة في قيد الجمعيات المرخص لها مزاولة العمل السياسي، وتحديداً فيما يتعلق بعقد مؤتمرها العام في أحد دور العبادة وامتناعها عن تزويد وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بآليات عقد مؤتمراتها ومحاضر الحضور والتصويت، كل ذلك وغيره كان سبباً أعطى المحكمة الحق بالأدلة والبراهين أن يتم وقف نشاطها لثلاثة أشهر على أن تقوم بتعديل وضعها في هذه المدة وإلا سيتم وقفها بشكل نهائي وحلها، كما حدث مع جمعية العمل الإسلامي (أمل)، فالوفاق بين مفترق طرق؛ إما أن تصحح وضعها القانوني أو أن يتم وقفها بشكل نهائي عن العمل السياسي.
دائماً ما كانت الوفاق تعتبر نفسها أكبر الجمعيات السياسية وتسمي نفسها «معارضة» وهي من ترأسها وتدعو إلى دولة مدنية، في حين أنها أول من يخالف القانون ويضرب به عرض الحائط متناسية بأننا في دولة القانون والمؤسسات ووجود قضاء نزيه في أحكامه وقراراته القضائية، فنرى الوفاق تجادل وتعاند وتكابر في الرضوخ للقانون ولحكم المحكمة في تعديل تجاوزاتها قبل حتى أن يتم صدور الحكم، ونراها قد أعلنت بأنها ستعقد مؤتمرها العام في الرابع من ديسمبر المقبل، وبحسب أحد القياديين في الجمعية قال إن الوفاق كانت قد أبلغت المحكمة بموعد المؤتمر السنوي العام قبل النطق بالقرار إلا أن المحكمة لم تضع ذلك في الاعتبار، هذا اتهام واضح وصريح يشكك في نزاهة القضاء البحريني ويعتبر تجنياً إذا لم يتم تقديم الدليل، ويمكن أن يتم تحويل من قال ذلك للنيابة العامة كسابقه في الجمعية الذي اتهم بوجود مبالغ تسلم للمترشحين للانتخابات حتى يخوضوا المعترك النيابي والبلدي، ولم يأت بالدليل وتم تحويله للنيابة.
الحكم القضائي من المحكمة الإدارية جاء في ظل حراك ديمقراطي وانتخابات نيابية وبلدية تعيش المملكة مخاضها هذه الأيام مع إعلان المعارضة وقائدتها جمعية الوفاق بمقاطعة الانتخابات والتهديد بتصفير صناديق الاقتراع، لكن عدد المترشحين التاريخي كان رداً قوياً على هذه الدعوات، ما يهمنا هو أن يتم تنفيذ الحكم بوقف الوفاق ونشاطها السياسي الذي تحاول من خلاله تعكير صفو الانتخابات من عمليات الحرق الإرهابية لسيارات المرشحين ومنازلهم وتهديد حياتهم وأهاليهم، كل تلك الأعمال التي يقوم بها هؤلاء المخربون لم تأت من فراغ بل جاءت بعد دعوات المقاطعة والتشهير بالمرشحين وممارسة الإرهاب والترهيب للمترشحين في الدوائر التي يغلب عليها المقاطعون، وطبعاً كل ذلك في ظل غطاء ديني يتم من خلاله استغلال المنابر الدينية لأغراض وأجندات تحاول عرقلة المسيرة الديمقراطية في البلاد.
جمعية الوفاق وصفت حكم المحكمة الإدارية بأنه «خطوة خطيرة ومغامرة غير محسوبة»، وهذه العبارة حقيقة لها دلالتها السياسية وهي بمثابة التهديد والتحذير من حل أو غلق الجمعية، ولم تكشف الوفاق عن خطواتها التصعيدية بعد صدور الحكم، عدا ما قاله أمينها العام علي سلمان من أن جمعيته ستستمر في ممارسة حقها في التحول الديمقراطي، وهذه الديمقراطية ستكون من خلال التظاهرات والتجمعات غير المرخصة، والتي يحدث فيها انفلات أمني واستهداف رجال الأمن وزعزعة الاستقرار، من هنا يجب على الجهات المعنية بالدولة أن تكون واعية لتطبيق القانون والحكم القضائي على الجمعية إذا ما تجاوزته حالها حال أية جمعية سياسية أخرى.
المراقبون اعتبروا حكم المحكمة الإدارية إنذاراً لها بتعديل وضعها القانوني وعدم مخالفة قانون الجمعيات السياسية كباقي الجمعيات، فخطاب التحدي الذي تتبعه الوفاق ليس في صالحها لأنه سيؤدي إلى إغلاقها نهائياً ويؤثر سلباً عليها وعلى عملها السياسي وعلى شارعها ومناصريها، ومن هنا عليها أن تفكر ملياً في عدم المجازفة في خرق القانون وأن تدرك بأن المرحلة القادمة ستكون أكثر شدة ولن يتم التساهل معها، فقد طفح الكيل، ويجب أن تعلم الوفاق حجمها وأن لا تعتبر نفسها وصية على الشعب الذي أغلبه يستنكر ما تقوم به ويطالب بمحاسبتها منذ 2011 وحتى اليوم.
ما يدعونا للربط بين علاقة جمعية الوفاق والولايات المتحدة الأمريكية وتدخلاتها في الشأن الداخلي للمملكة هو السرعة في ردة الفعل من قبل واشنطن على الحكم القضائي، والتي أبدت قلقها من تعليق نشاط الوفاق التي وصفتها بأنها أبرز قوى المعارضة، وعلقت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفير بساكي بأن هذا القرار يتعارض مع إرساء مناخ ملائم لعمل سياسي شامل، هذا يعني تدخلاً صريحاً وقدحاً مباشراً في القضاء البحريني وأحكامه التي قالت واشنطن إنها تتعارض والديمقراطية، إذا كان تطبيق القوانين والأنظمة تعتبرها الولايات المتحدة تعارض الديمقراطية، وهي تدعي بأنها البلد الديمقراطي الأول في العالم، ونراها تقف مع من يسعون إلى الفوضى وعدم الاستقرار في أوطانهم، حقيقة إن الولايات المتحدة غريبة ومنحازة وتسير وفق مصالحها ولم تعد هي الدولة الصديقة التي كنا نعرفها، ويبدو أن السياسة الأمريكية تغيرت تجاه المنطقة بأكملها وليس تجاه البحرين فقط.