ربما يكون عدد المترشحين اليوم لعضوية مجلس النواب يمثل أكبر نسبة في تاريخ العملية الانتخابية في البحرين بالنظر للدوائر الانتخابية، إلا أن انتخابات هذه المرة قد تكون الأصعب من سابقاتها بالنسبة إلى المترشحين لا الناخبين.
في الفصول التشريعية الثلاث كان وصول بعض المترشحين سهلاً وشبه مضمون، بعضهم ساعدته قواعد جمعيته السياسية، وبعضهم اسمه وتاريخه ومؤهلاته منحته نقاط تفوق، لكن الحال اليوم يختلف تماماً.
اليوم حتى من يمتلك اسماً وتاريخاً ومؤهلات وجمعية سياسية تقف خلفه، ليس بالضرورة أن يفوز ويكتسح بالأصوات ويضمن الكرسي الانتخابي، فالمسألة تعدت كونها اعتماداً على هذه المقومات، إذ المقوم الأول والأخير هو «صوت الناخب» ورأي الناس، وهذا هو أصل العملية الانتخابية.
ندرك تماماً بحكم قربنا -كصحافة وكتاب- من الناس حجم الاستياء من أداء النواب خلال الفصول التشريعية السابقة، نعرف تماماً ماذا يقول الناس بشأن الإنجازات التي يقال بأنها تحققت لهم، في حين أن تفنيدها وبيان مصداقية القول هو عند الناس أنفسهم، وهنا ماذا تريدون للمواطن أن يقول بشأن حل همومه، هل تم حل مشكلة الإسكان؟! هل زادت الرواتب؟! هل تحسنت الخدمات؟! هل قلت الأسعار وانتهت ظاهرة الغلاء والتلاعب في الأسعار؟! هل قضينا على الفساد تماماً وحاسبنا المفسدين؟! هل تمت إقالة وزراء أو مسؤولين بناء على تقارير ديوان الرقابة المالية؟! وغيرها من أمور تمثل مطالبات للناس تطالب بها من تنتخبه بأن يحققها مع زملائه الباقين في المجلس التشريعي.
المواطن سيقول «لا»؛ وهذه أكثر إجابة سنتحصل عليها من غالبية الناس، وعليه فإن المؤشر هناك يفيد بأن أي مترشح اليوم سيتعرض للممانعة أولاً من قبل الناس لمنحهم أصواته بسهولة (باستثناء طبعا قائمة الأهل والأصدقاء ومن سيتحركون بناء على المال السياسي والعطايا)، بالتالي من سيحصل على أصوات الناس لن يحصل عليها بسهولة، فالمواطن يمتلك اليوم درجة وعي تمكنه من «صد» أي مترشح يحاول أن يكذب عليه أو يبيعه وهماً، يمتلك «خطوطاً دفاعية» عديدة و»دوافع شك» أمام أي شعار يرفع، وهذا نوع من النضج السياسي.
من جملة التعليقات التي قرأتها في وسائل التواصل الاجتماعي تحت مواضيع معنية بتفضيل مترشحين في هذه المنطقة أو تلك من يقول بما معناه «خفوا على المترشحين» مخاطباً الصحافة وحتى الناس، هذه بحد ذاتها مسألة إيجابية وليست سلبية. المترشحون يرونها سلبية لأنها تعقد عليهم الأمور وتفتح أبواباً وأبواباً للتشكيك في مصداقية الوعود بل والأهم في مبررات الترشح، فهل تريد الترشح بالفعل لأجل الناس وفقط الناس، أم تريد الترشح لمزايا المجلس ومكاسبه؟!
هذا المؤشر، والذي قد يسميه البعض «سلبية» الناس أو ممارسة «التحلطم» أبداً ليس مؤشراً سلبياً، بل هو دليل نضج في المسألة، فمن منح صوته ثلاث مرات لأشخاص لم يكونوا خير موصل لصوته ولم يكونوا على قدر المسؤولية والثقة في حل همومه، سيفكر ألف مرة قبل أن يمنح صوته لأي شخص، سيقوم بمساءلة أي مترشح بشأن شعاراته وكيف سيحققها، وماذا لو فشل في عمله بأي وجه سيواجه الناس؟!
الناس ليسوا سذجاً، وليسوا طيبين إلى درجة السذاجة كما يظن بعض المترشحين، الناس في البحرين «انقرصوا» كما نقول باللهجة العامية بنواب كانوا على شاكلة أشبه بالملائكة في فترة الدعاية الانتخابية وتحولوا بعدها لنسخ متكررة من «فرعون» حينما وصلوا للكراسي وأول من تكبروا عليه هو المواطن الذي منحهم صوته، إلا من رحم ربي طبعاً.
وعليه اليوم من يقرر ليس المترشح ولا جمعيته ولا جماعته ولا حتى سيرته الذاتية، اليوم من يقرر هو المواطن، هو من تقع عليه مسؤولية عدم تكرار الخيارات الخاطئة، البحرين صغيرة والجميع يعرف فيها الجميع، وسهل جداً أن تدقق في سيرة أي مترشح وتعرف إن كان هذا هو بالفعل الذي يتحول اليوم لجامع للأخلاق الفاضلة، أم أنه مجرد مرتدي للباس النزاهة والإخلاص والصدق.
نصيحتنا للمواطن حتى لا «ينقرص» مرة أخرى بألا ترحم، لا تمنح صوتك هكذا بسهولة، دقق ناقش حاسب وسائلهم في كيفية تنفيذ هذه الوعود، لا تعط صوتك لمن يحاول شراءه بالمال السياسي أو «الرشاوى» العينية، من يصمد أمام ذلك هو من يستحق صوتك.