أعجب من (ديمقراطية) تهدد وتتوعد وتحرق وتفصل وتعاقب مخالفيها، ومن (ديكتاتورية) يأمن فيها مخالفوها!!
من هو الخائف والمهدد اليوم؟ من الذي تحرق ممتلكاته ويتوعدونه بالمزيد؟ أليسوا هم من مخالفي وخصوم دعاة الديمقراطية؟ ومن –بالمقابل- الذي يعيش في أمان ويلقي خطبه يومياً ويسافر ويعود وينام في بيته آمناً مطمئناً؟ أليسوا هم من مخالفي النظام (الدكتاتوري) ومعارضيه؟
كيف إذن يبيت مخالف دعاة (الديمقراطية) في خوف يتلفت خلفه ويبعد سياراته عن البيت ويحذر أبناءه قبل أن يخرجوا من المنزل ويتصل في الدولة يريد حراسة؟ ويبيت مخالف (الديكتاتورية) في أمن وسلام يسافر ويعود ويجيب على وسائل التواصل ويتنقل دون حراسة ويبدي رأيه بحرية ويدعو للمقاطعة؟
رغم هذه المفارقة الصارخة التي تدحض وتكذب وتفضح أي ادعاء «بالديمقراطية» عند جماعة الولي الفقيه بجناحها السياسي والديني والإعلامي وميليشياتها العسكرية، ورغم غيرها العديد من الأدلة التي تفقأ العين والتي تبين كذب الادعاء بالمدنية والتمدن وحقيقة ارتهانهم لرجال الدين، ورغم حقائق لا تحصى تكذب كل ادعاءاتهم ورغم أن وجودهم كحزب وكجريدة بحد ذاته وحريتهم وحقوقهم المصانة ترد عليهم دونما حاجة لتوضيح، إلا أنهم لا ولن ولا يمكن واستحالة أن يرون الواقع، لن يعيشوه لن يستمتعوا به رغم وجوده بين أيديهم، فمن الصعب التفاهم مع مرضى الوهم من الصعب الوصول إلى أرضية تفاهم مشتركة تقف على الأقل عند حد المسلمات وحد ما هو ملموس ومعاش، من الصعب على من رضع الشعور بالاضطهاد والظلم مع الحليب واستمر في تناوله برضعة يومية دون انقطاع حتى بعد أن كبر وتزوج وأنجب ولم تتوقف (الرضعة) عنه و لم يفطم إلى الآن، من الصعب أن تخاطبه بلغة الواقع، لن يفهمها لن يستوعبها لا يملك أدوات التقاط مفرداتها.
«الواقعية» تحتاج إلى منطق إلى شواهد إلى أدلة إلى ثبوتات إلى معطيات ملموسة، في حين «الوهم» لا يحتاج إلا إلى شعور إلى إحساس إلى مخزون عقلي يغذيه، ممكن أن يحلق بك الوهم إلى عنان السماء وممكن أن يلقيك في غياهب الجب وأنت مازلت واقفاً أو جالساً في مكانك، تحتاج نقطة سوداء فقط لا أكثر ولا أقل لتراها ظلاماً حالكاً يحيط بك ويحجب عنك الشمس، لا تحتاج سوى لبذرة صغيرة لأي نبتة كي تشتغل مكائن «الوهم» عليها وهي مازالت نبتة فتعمل على سقيها ورعايتها وتغذيتها بمخزون ثري من السرديات والأدبيات والتاريخ والتراث فتراها عين الواهم شجرة شيطانية يحيط ساقها بجسده وتطبق على أنفاسه أوراقها الشائكة وأغصانها أذرع أخطبوطية تلتف على عنقه تخنقه حتى يستطعم زقومها بحلقه وهي مازالت بعد... بذرة!
تقول له انظر تمعن افتح عينك أبصر بها شم والمس، استخدم حواسك استخدم المنطق المقارن استخدم السؤال، استخدم عقلك، ألا ترى أنك تعيش في منزلك آمناً مطمئناً تمارس حقك تعبر عن رأيك لك حزبك لك نقابتك لك جريدتك لك مقرك لك تنظيمك لك إن أردت نائبك البرلماني ونائبك البلدي لك مسجدك لك، ما تملك لك آذانك لك عيدك لك إجازاتك الدينية لك أوقافك لك محاكمكم لك طقوسك لك بيئة وفرت لك علاجاً مجانياً وتعليماً مجانياً ولك بيئة وفرت لك خدمات تنجزها هاتفياً
هكذا نحن نخاطب «مجموعة سياسية» أدمنت وهم الاضطهاد لا ينفع معها حجة ومعطيات على الأرض ولا تنفع أدلة ولا تجدي كل أدوات المنطق، فتلك المجموعة داخل عالمها الافتراضي لا تسمعك ولا تراك ولا ترى الشمس، عدا ذلك فهي تستفيد دوماً من بضاعة بكائياتها وشكواها وادعاءاتها فمحاولات استرضائها لا تتوقف فهل يتخلى تاجر عن بضاعة مربحة؟ !!! والله لو وضعت الشمس في يمينها والقمر في يسارها على أن ترضى عنك فلن ترضى وعلى أن ترى النور فإنها ستبقى في (خرمسها).