لم تحسم جمعية الوفاق موقفها من «الدولة» منذ لحظة قبولها فكرة تسجيلها تحت المظلة القانونية الدستورية وحتى هذه اللحظة، أي منذ 12 عاماً وهي تعيش صراعاً داخلياً يتنازعها إرثها التاريخي السياسي الذي بني على أساس إسقاط الدولة مع استحقاقات الواقع الدولي الذي يجبرها ويرغمها على الاعتراف بأن مملكة البحرين دولة قائمة بنظامها بحدودها السياسيـــة بعضويتهـــا فـــي مجلـــس التعاون وفي جامعة الدول العربية وفي الأمم المتحدة، ويفرض عليها واقعاً لن تكون فيه «الوفاق» حزباً سياسياً معترفاً به دولياً إلا إن كان يعمل ضمن الأطر الدستورية لهذه الدولة، فكيف يمكنها قبول هذا الدور المحدد الذي سيقوض وينهي إرثها الذي بنيت عليه حراكها منذ لحظة تجمع أعضائها وهو إسقاط هذه الدولة؟
طوال الـ 12 عاماً وهذه المنازعة الداخلية في بنيتها الفكرية قبل أن تكون في بنيتها التنظيمية حالت بينها وبين تحقيق العديد من الاستحقاقات الحزبية المهنية لجمعيتها، بل وترتب على هذا التنازع خروج العديد من أعضائها المؤسسين المتمسكين بأهداف إسقاط الدولة، فاستقال منها ما سمي بتيار «الممانعة» حين قبلت بالتسجيل تحت مظلة القانون لأن في ذلك اعتراف بقانون ودستور دولة يراد إسقاطها، وظلت الوفاق حتى اللحظة تعيش حالة تأنيب ضمير لتمزيقها الصف الداخلي فتقسم على القرآن بحفظ الدستور ككتلة نيابية ثم تبرر لجمهورها أنها أقسمت وفي ضميرها النية على دستور آخر، تدخل المجلس وتنسحب منه، تعترف بأن لها شركاء في الوطن حين تحتاجهم داخل المجلس وتشيد بتعاون الكتل النيابية الأخرى معها في الأعمال الرقابية البرلمانية ثم حين تنسحب تصفهم بالمرتزقة والطبالة والموالين، تستهين وتهزأ بالتشريعات وهي التي كانت عضواً في السلطة التشريعية، وترى في عدم الالتزام بالضوابط القانونية للعمل الحزبي ترضية لجمهور متعطش لعدم الاعتراف بالدولة وبدستورها وبقانونها وتتحمل هي مسؤولية هذه الرغبة.
ليس في الأمر عقلاء ومتشددين، حمائم وصقور، في مسألة الاعتراف بالدولة والعمل ضمن أطرها الدستورية، بل هو مبدأ أساسي وثابت من ثوابت العمل السياسي المحترف، سيترتب عليه تغير في البنية الفكرية والخطاب والتعاطي مع الشركاء، والوفاق إلى هذه اللحظة لم تحسم موقفها بعد، حتى في الأزمة الأخيرة وقفت تحت يافطة «باقون حتى يسقط النظام» ثم عادت وقالت «كنا نطلب إصلاحه لا إسقاطه»! خيوطها الممتدة بالخارجين عن طوقها والمعلنين صراحة بأهدافهم إسقاط الدولة كالقابعين في لندن أو المرجعيات الدينية الإيرانية المقيمة في العراق وكالمدرسي حرصت الوفاق أن تبقيها محاولة أن تحافظ على التوازن بين هدفين متناقضين لا يلتقيان أبداً (الإصلاح والإسقاط)، وما لم تحسم الوفاق موقفها من «الدولة» ودستورها، وتختار أن تضع رجليها معاً على ضفة واحدة، إما الإسقاط وتعلنها، وإما الإصلاح وتقطع صلتها بأصحاب الإسقاط، فستظل تدفع هي قبل غيرها ثمن هذا التذبذب وأمامها فرصة تاريخية الآن حين تعقد جمعيتها العمومية لتصوت على أي من الطريقين ستختار ولتقر بأنهما دربان بينهما برزخ لا يلتقيان أبداً .... إنما عليها أن تنجح في جمع 3500 عضو كي يكتمل النصاب القانوني لجمعيتها العمومية !!!!!!!