إن كان هناك من سيخرج ويطالب الصحافة بألا تشير لهذه المسألة الخطيرة تجنباً لإقلاق الناس، فإننا نقول بأن التهاوي الخطير في أسعار النفط بات لا يحتاج إلى أي نوع من أنواع تجميل الواقع، بل بات يفرض مواجهة الواقع والحديث بشكل صريح عن تأثيرات هذه الأزمة الجديدة التي تعيد إلى الأذهان شبح الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم وكان ضحيتها مئات الآلاف من البشر الذين فقدوا وظائفهم، إضافة إلى تضرر الاقتصاديات العالمية حتى الصلبة منها.
بحسب ما نشره الموقع الرسمي لشركة نفط البحرين (بابكو) قبل أيام بأن سعر الخام البحريني تراجع إلى أقل من 59 دولاراً، وهذا يعني بأن البحرين خسرت قرابة 261.9 مليون دولار خلال 45 يوماً!
رقم مخيف جداً، لكن ما يثير القلق أكثر بأن هذا الانخفاض سيكون له ضرر كبير على قطاعات عديدة، بل سيكون تأثيره المباشر على موازنة الدولة العامة، خاصة أنها -أي الموازنة- اعتمدت 90 دولاراً كسعر أساسي للموازنة، ما يعني أنه قرابة نصف السعر قد تمت خسارته.
ورغم أن وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الإنمائي أشارت في استقراءاتها الاقتصادية إلى أن يرتفع سعر برميل نفط «برنت» إلى 85 دولاراً في الأيام القليلة على نهاية العام الحالي، وأن السعر المتوسط سيرتفع إلى 90 دولاراً في 2015، إلا أنها أشارت إلى أن البحرين وعمان تعتبران من أكثر دول الخليج عرضة للتأثر، ما يعني أن اقتصادياتها ستتباطأ وسيؤثر ذلك الناتج المحلي ومشاريع البنية التحتية وقد يشكل ذلك تهديداً للقطاع الخاص، خاصة أن العائدات النفطية تشكل قرابة نصف العائدات العامة، والصادرات تشكل ما نسبته 75% من مجموع الصادرات العامة.
المشكلة لدينا هنا أن تقارير اقتصادية عديدة من ضمنها بيت الاستثمار العالمي (غلوبل) أشارت إلى أن البحرين بحاجة أن يصل سعر برميل النفط إلى 119.2 دولار لتحقيق التعادل المالي. ونحن نعرف تماماً حجم العجز في الميزانية الذي يبلغ قرابة خمسة مليارات، في حين لابد من استشعار القلق من النية المتجهة لرفع السقف الأقصى للمديونية العامة للدولة إلى سبعة مليارات، ما يعني نشوء مشاكل عديدة لها تأثير بالغ.
في معرض الحلول أمام مشكلة لها أسباب عديدة من ضمنها، اتجاه الولايات المتحدة للاستفادة مما أسمي بــ«النفط الصخري» وتقليل حجم استيرادها للنفط من دول الخليج، إضافة لدور الأزمات والمشاكل الإقليمية وصراعات الحرب الاقتصادية سواء الظاهرة أو الخفية، فإن أغلب الخبراء الاقتصاديين يرون بأن توقع أسعار النفط باتت لعبة غير مضمونة، وعليه فإن التأثر قد يزيد بالأخص لدى الدول التي لا تتنوع فيها مصادر الدخل ولم تؤسس لها أرضية صلبة لتنويع وتوسيع قاعدة استثماراتها.
الاقتصاد أبداً لم يكن لعبة يخوضها من لا يفقه فيها، والطفرات الاقتصادية في مجملها تقدم لك كل ما هو جميل على طبق من ذهب، وقد توهمك بأنك تعيش فترة مزدهرة صعب أن تصاب بالكسر أو الخمول أو الانعكاس، لكن المشكلة بأن الكوارث الاقتصادية تحصل فجأة، وقعها أشنع من أي كارثة طبيعية لأن ترميم آثارها وتداعياتها صعب جداً، بالتالي من لم يحسبها لهذا اليوم فإنه سيعاني.
الأماني تنصب بألا تتضرر البحرين تضرراً كبيراً يلقي بظلاله على المواطن، لكنها تظل أماني تحقيقها إلى واقع يتطلب الالتفات بجدية نحو هذه المشكلة، يتطلب اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة بشأن الحفاظ على الخط الاقتصادي للبلد دون أن يهتز هزة عنيفة، والأهم ألا يتضرر هذا المواطن في معيشته وما يتداخل معها.
السؤال هنا: هل سنلمس قريباً جداً تحركاً عاجلاً وعالي الأهمية بشأن هذه المشكلة، سواء عبر إنشاء لجنة اقتصادية رفيعة المستوى، أو لجنة طوارئ معنية بالشأن الاقتصادي، أو يكون لمجلس التنمية الاقتصادية دور محوري مؤثر في وضع خطة لتلافي أية أضرار؟! والأهم هل سيتم إطلاق المواطن على كافة التفاصيل والتداعيات والآثار المتوقعة والحلول بشكل شفاف ومباشر؟!
في زمن سابق ارتفع النفط لسعر قياسي وما رصدناه من تعامل إزاء ذلك يفيد بأننا لم نستفد كثيراً، على صعيد تحسين الحياة العامة للمواطن وتطوير الخدمات وحل المشكلات العالقة، اليوم أمام الدولة تحد صعب في ظل تهاوي السعر لهذا المستوى.