لم تشغل النائبة في البرلمان الأردني هند الفايز الأردنيين فحسب بصراخها ورفضها الانصياع لمطالبات زميلها بالقعود.هند صارت حديث العرب وصار (قعود) هند الفايز محل تندر وتحليل كل من يرى مشهد العراك البرلماني بينها وبين زملائها الرجال.
في البدء دخلت هند الفايز في وصلة سجال طويلة وعالية الصوت مع النائب عبدالمجيد الأقطش الذي كان يدافع عن الإسلاميين ضد قوائم الإرهاب وضد بعض الإجراءات الأمنية التي طالت التيار الإسلامي وخصوصاً جماعة الإخوان، ثم بدأ بالإساءة للقوميين واتهامهم بالتآمر.
وتجدر الإشارة إلى أن هند الفايز هي ابنة حاكم سلطان الفايز أحد أبرز قيادات حزب البعث الاشتراكي الذي قضى سنوات طويلة في سجون الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وبقي وفياً للقومية العربية وحالماً بأمة واحدة متوحدة حتى وفاته. لذلك حين انتقص النائب الأقطش من القوميين ردت عليه هند: ماذا فعلت أنت حين كان القوميون في السجون؟ صراخ هند كان صراخاً حزبياً وكان ارتفاعاً بموقف سياسي يعبر عن إديولوجيتها واتجاهها.
ثم انشغلت هند مع النائب يحيى السعود الذي نافسها الصراخ بصوته الرجولي «اقعدي يا هند... اقعدي يا هند...»، لكن هند التي كانت تجلس بجانبه رفضت حتى الالتفات إليه واستمرت في معركتها مع القومية العربية وضد الإخوان. فما كان من النائب السعود إلا أن لعن الكوتا والي (جاب) الكوتا على البرلمان؛ فدخلت هند في معركة ثانية مع السعود دفاعاً عن الكوتا ودفاعاً عن حق المرأة في الوصول إلى البرلمان، وهذه المرة خلطت هند أوراق السعود بتفضيل الكوتا على تجارة (البسطات). وتجدر الإشارة إلى أن النائب يحيى السعود قد ربح مبالغ طائلة من وراء تجارة البسطات الرخيصة التي تبيع الملابس المستعملة على الأرصفة أو في محلات صغيرة في المناطق الشعبية!! وهي بذلك إشارة لا تخلو من اللمز عن مصدر ثروة السعود.
المعارك السابقة لهند الفايز في تلك الجلسة البرلمانية الشهيرة تعكس خلفيات سياسية وإديولوجية واقتصادية ومواقف سياسية من المرأة وقضايا الجندر لدى جميع المتداخلين. لكن (الثيمة) التي تحكمت في دراما الجلسة هي الموقف الذكوري من المرأة في مجتمع عشائري مازال يفرض على المرأة خفض صوتها أمام الرجال، ليس حياءً بل انصياعاً.
ومازال يفرض على المرأة الجلوس في وجود الرجال، ليس تأدباً بل خضوعاً. (اقعدي يا هند) تلك الصرخات التي أطلقها النائب يحيى القعود كانت تأمر هند بأن تتوقف عن الارتفاع عن الحدود المرسومة لها صوتاً وشكلاً ومطلباً. فحين يتكلم الرجل فعلى هند أن تسكت، وحين يقف الرجل فعلى هند أن تقعد، ليس المهم المواقف التي استدعت الكلام والوقوف؛ بل المهم رمزية الشخوص.
هند كسرت حاجز المألوف، وخرجت عن العرف حين انتفضت مدافعة عن التيار الذي تنتمي إليه، وصدمت زملاءها النواب الرجال بصراخها وارتفاع صوتها على صوتهم ورفضها السكوت أو الجلوس حتى تنهي معركتها بالانتصار. لو كانت هند رجلاً لما حدثت كل تلك الجلبة ولما انشغل الأردنيون والعرب بها. ولكن كونها امرأة جعل المشهد حدثاً يستحق الوقوف أمامه لا القعود دون تأمله. لذلك... شكراً هند الفايز لأنك لم تقعدي... شكراً هند لأنك لم تسكتي.