غير مرة تكتشف أن خطراً كان محدقاً بك، ثم لا تفهم كيف أخطأك!! وغالباً ما تواجه أزمات عاتية قد يطول أمدها، ثم دون سابق إشعار تتلاشى ككثبان قش في يوم عاصف. ولا شك أن لكل حدث في هذا الكون تفسيراً منطقياً قد نعيا عن كشف منطق جريان الأمور فنأنس بالتبريرات الصوفية، لكننا نكون دائماً ممتنين للعناية الإلهية التي تحيط بنا كما تحيط الأم برضيعها.
ماذا تعني العناية الإلهية؟ ولماذا نتعلق بها حين نستشعرها؟ أياً كانت الدلالات المنطقية أو الميتافيزيقية لمفهوم العناية الإلهية؛ فإن شعوراً دفيناً في (أعماقنا) بأننا محصنون، وأن ثمة عيناً تحرسنا، هو أمر يشعرنا بالراحة والثقة في هذه الحياة. تلك هي قيمة (اللامنطق).
فالمنطق والحسابات البشرية والرصد والتوقعات هي أكثر العمليات التي ضبطت حياة الأفراد عبر التاريخ البشري.
لكنها، أيضاً، من الأمور التي أعيت الإنسان وأرهقته.
فبالقدر الذي أنتجت دقة حسابات الإنسان حياة مريحة ومتزنة له، سببت له كذلك القلق والأرق في لهاثه خلفها حماية لنفسه وتوفيراً لسبل الراحة وفرص الدعة في حياته وحياة من يتحمل مسؤوليتهم.
كم يحتاج المرء، في هذا الكون المتلاطم بالمشقة والتحديات، إلى الركون إلى الغيبيات، وإلى الاعتماد على طاقة مجهولة لا يحدها مكان ولا يستهلكها الزمان. كم يحتاج الإنسان إلى إشارات كونية تهمس في قلبه: أن عليك ألا تقلق فكل شيء سيكون على ما يرام، وأنك حين تتعثر سوف تهب يد حانية تقلك من عثراتك وتحول دون ارتطامك على الأرض بقسوة. شعور هانئ أن يُفاجأ أحدنا أن تدبيراً ما قد تكفل بتسيير أحد مراكبه في مجرى بحري هائج لم يرصد غايته على البوصلة، لكنه وصل به إلى جدول نهري منساب وعذب تحف الأزهار والأعشاب بضفافه.
كم هاجم الماديون، تحت ذريعة العقلانية، تلك المشاعر الروحانية التي تتعلق بالغيب والميتافيزيقيا. لقد أشهروا سلاح العلم في وجه الروحانيين واتهموهم بالضلال والهلوسة.
وهم في نوبتهم العقلانية لم يتوقفوا ليسبروا آفاق النفس البشرية وحاجتها للتواصل مع الطاقات الكونية الخافية عن إدراك العقل والمنقطعة عن التماس مع الحواس. تلك الحالة التي يعايشها المرء حين يتصل بالماوراء ويشعر فيها أنه مخلوق ضعيف أمام ملكوت الكون الجبار ثم يشعر باتحاد فريد مع الكون يجعله أقوى المخلوقات في لحظة انقلابية.
إنك لا تستطيع تفسير أن يتعرض أحد أبنائك لحادث مرور مروع تدمر فيه السيارة ويخرج ناجياً دون خدش، غير أن العناية الإلهية أحاطت به.
ولا تستطيع أن تفسر أن يتعطل أحد المسافرين عن ركوب الطائرة التي كانت ستقله إلى فرصة عمل انتظرها طويلاً، فتقلع دونه وتسقط ويموت الركاب جميعاً ويبقى هو على قيد الحياة لأن موعد الطيران قد فاته!!، ولا تستطيع تفسير أن تنفق الوقت والجهد في تحقيق أمنية ما ولا تتحقق ثم تكتشف بعد زمن أن القدر قد أبدلك خيراً منها.
العناية الإلهية هي الأمل الذي يتعلق به الإنسان في مواجهة الغيب وهي الهالة النورانية التي نسعى لتوهجها حولنا ونخشى من خفوت ألقها.
وهي جوهر كل دعاء نلهج به للحماية والتوفيق وتحقيق النهايات السعيدة.