من المعروف أن شعب مملكة البحرين شعب طيب وكريم ولا يتخير بكرمه عن بقية أشقائه من دول الخليج العربي، والذين يتمتعون بكرم الضيافة وحسن «الملقى» وقلوبهم مفتوحة قبل أبواب ديارهم للضيف قبل القريب، ولديهم ما يكفي من سعة الصدر التي تسمح لهم بأن يبلعوا حوت الغضب الذي من الممكن ان يساورهم؛ سواء كان مفتعلاً أو فجأة، ولديهم الحكمة الكافية كي يعالجوا بها المواقف الصعبة بحنكة وذكاء بأقل ما يمكن من عناء.
إلا أن هذه الحنكة وكل ما يمكن أن نتخيله من دهاء للأسف يخونهم عندما يحاولون أن يتحايلوا على زحمة السير التي يواجهونها على الطرقات الرئيسة ليأخذوا أحد الشوارع الفرعية السكنية مفراً لهم، وهنا تكمن المشكلة الأكبر.. ويبدأ «الحسر» والندم باختيارهم البديل الخاطئ، وأن الوقت الذي يمكن أن يستغرق بسبب الازدحام الأناني للسيارات على الإشارات الضوئية سوف يقابله ازدحام مضاعف في الشوارع الفرعية المختارة، والأمر أكثر من مجرد إشارة حمراء وصفراء وخضراء ودقائق يمكننا أن نحسبها؛ إنما الوقت رهينة كوب كرك أو «ساندويش فول وطعمية» أو مجموعة من مشتريات المنزل تذكر صاحبها بأن «يجيبها» وقام بركن سيارته في الصف الثاني، أو سيدة فرغت صبراً وهي تبحث عن مكان لركن سيارتها لكي تدخل صالون التجميل الذي تأخرت على موعدها بضع دقائق عنه، وما أن وجدت مكاناً فاعتبرت نفسها وكأنها وجدت الكنز المفقود وركنت به، وإن كان لا يسمح بالوقوف فيه ومن شأنه أن يعطل الحركة المرورية ولكنه بنظرها حل لمعضلتها الجمالية. وإن حاولت أن تطلب من أحد أن يعدل وقوف سيارته وأن يسمح لك بالمرور، رماك بشباك نظرات الغضب وتهجم وجهه وكأنك سلبت أحداً مجوهراته الشخصية.
هنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه؛ من صاحب المسؤولية في كل هذه العشوائية؟ من سمح بأن تتحول الأماكن السكنية التي لابد أن ينعم أهلها براحة وسكينة ليلية إلى ضوضاء وكأننا نعيش بخندق من المهرجانات الإسبانيولية. ومن هو صاحب القرار بشأن إعطاء الأذن بفتح المحال التجارية ذات الموروثات الهندية الصينية والباكستانية والمطاعم، والتي أكثرها غير صحية، هل تم دراسة مسبقة من توافر الأماكن الكافية لركن السيارات والدراجات النارية مع مراعاة أن هذه الأماكن أيضاً سوف يتواجد بها عدد لا بأس به من المارة من كل الأعمار؟!
وأن القاصدين عادة للأسواق هن السيدات اللواتي يواجهن مجموعة من المعاكسات التي يقوم بها بعض من شباب هذا الزمن الذي للأسف يفتقر ويفتقد لـ»الذرابة» والأخلاق، وينسى أن والدته أو أخته ممكن أن تتعرضا لنفس المضايقات التي يقوم بها مع الأخريات في نفس التوقيت وفي شارع أو منطقة أخرى.
فهنا لابد من وضع المعايير الصارمة والدراسات الكافية عند التوجيه أو السماح بتحويل أي شارع سكني إلى شارع تجاري، بحيث يحفظ لأهل المنطقة كيانهم وراحة بالهم ويجنبنا التوترات الصباحية والمسائية. فإن كنا حقاً شعباً يتمتع بالطيبة و»نتساهل»؛ إلا أننا شعب يفهم أيضاً بالذوق العام ونتمنى أن نجد مدننا الداخلية بطراز حضاري يليق بنا جميعاً، ونأمل على المنقلب الآخر بأن الشعب نفسه يقدر أي تعديل إيجابي وألا يمارس عليه أساليب الاستهتار والعشوائية القاتلة.
ولنا في ما قاله الشاعر عبرة ونصيب
الرأي كالليل مسودّ جوانبه
والليل لا ينجلي إلا بإصباحِ
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى
مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح
شاور سواك إذا نابتك نائبة
يوماً وإن كنت من أهل المشوراتِ
فالعين تنظر منها ما دنا ونأى
ولا ترى نفسها إلى بمرآةِ