يرصد الكتاب الصحافيون الأخطاء بأنواعها فهذا دورهم، فيكتبون عنها منتقدين بغية لفت الانتباه إليها ودعوة الجهة المعنية لتداركها. ما يحدث باختصار هو الآتي؛ ينتقد الكاتب خطأ معيناً ويفترض أن الوزارة ذات العلاقة ستبادر بدراسة المشكلة وحلها، الوزارة توعز إلى قسم العلاقات العامة بتدبيج رد على ما كتب عنها، يكتبون الرد وينشر، فيعتبرون أن المشكلة قد انتهت! وكأن الوزارة تقول للكاتب ها أنت قد كتبت ما وددت أن تكتب وها نحن قد رددنا عليك، انتهى الموضوع.
هذه الوزارات تعتقد أنه يكفي أنها ردت على الكاتب، وكأن هدف الكاتب مما كتب هو أن ترد عليه الوزارة في المساحة المخصصة لـ «حق الرد»، لكن ردها في الغالب لا يتضمن حلولاً وإنما يركز على الدفاع عن الوزارة وتبرير الخطأ أو الأخطاء.
هنا مشهد آخر؛ ينتبه المعنيون في الوزارة إلى أن أحد الكتاب قد كتب منتقداً إياها، الوزارة تضج وتستنفر كل طاقاتها لإعداد رد مناسب يركز على أن الوزارة ما أخطأت وأن الأمور فيها عال العال، بدليل أن أغلب الردود هذه تذيل بعبارة «ونأمل من الكتاب أن يحصلوا على المعلومات من مصادرها الحقيقية».
في ذلك اليوم تقف الوزارة على رجل واحدة، ثم يهدأ المسؤولون فيها قليلاً بعد أن يقرؤوا الرد الذي قامت إدارة العلاقات العامة بإعداده وعدلوا عليه، ثم يرتاح المسؤولون في الوزارة بعد أن ينشر الرد في المساحة المخصصة له، ويعتبرون الموضوع قد انتهى.
هنا مشهد ثالث؛ حيث يقوم المعنيون في الوزارة بفتح تحقيق واسع لمعرفة من سرب معلومة معينة ذكرها الكاتب في مقاله، فلا يبقى موظف إلا ويتم التحقيق معه في ذلك اليوم والأيام التالية. ليس مهماً الوقت الذي تضيعه الوزارة في تحقيقها هذا فالمهم هو معرفة مصدر تلك المعلومة وإعداد الرد الذي ترتاح منه وإن لم يكن صادقاً ومقنعاً.
هذا النوع من المسؤولين في الوزارات يفترضون أنهم فوق الخطأ وأن وزاراتهم خالية من المشكلات ولا يجوز انتقادها، حيث انتقادها يعني انتقاد المسؤولين فيها وصولاً إلى الوزير الذي ليس معقولاً أن يخطئ!
عندما ينتقد الكتاب الوزارات فإنهم إنما يهدفون إلى التنبيه إلى أخطاء معينة تؤثر سلباً على فرد أومجموعة من الأفراد أو على برنامج يعود نفعه على المجتمع. والأهم من رد الوزارات عليهم هو تصحيح تلك الأخطاء وتداركها والعمل على عدم تكرارها. ليس معقولاً أبداً أن الوزارات لا يمكن أن تخطئ، وليس معقولاً أن الوزير لا يخطئ لسبب أو لآخر، فالوزير وكل العاملين في الوزارة هم بشر والخطأ وارد، وبالتالي فإن الأهم من تدبيج الردود هو التأكد من وجود الخطأ وتصحيحه.
في بعض السنوات السابقة لاحظ أحد المسؤولين بوزارة التربية والتعليم أن الصحف لا تخلو يومياً من رد واحد على الأقل تم إرساله من العلاقات العامة بهذه الوزارة، فسأل إن كان الأمر يستدعي الرد على كل من يذكر الوزارة بكلمة في الصحف، ونبه إلى أن هناك موضوعات يثيرها الكتاب أو القراء لا تحتاج إلى ردود وإنما إلى دراستها وتبين الأخطاء التي أشاروا إليها، واقترح استبدال الردود بتوضيحات كي يتفهم من انتقد أن الوزارة إنما اتخذت هذا القرار أو ذاك بناء على أمور معينة تحكمها ولم ينتبه إليها، فالتوضيح يفيد بينما الرد وخصوصاً إذا كان سريعاً يفترض أنه لا يجوز انتقاد الوزارة لا من القراء ولا من كتاب المقالات ولا من أي شخص غير الدولة.
أسلوب الوزارات في حل المشكلات هذا يزيد من منتقديها وأخطائها