البحرين تصنف على أنها دولة ناهضة متجهة -يفترض- بقوة في اتجاه التنمية والتطوير. وقد يكون من العوامل المساعدة هو عدد السكان، إلا أن العامل الأخير يواجه بحد ذاته مشكلة متعلقة بالتطوير نفسه.
نعم، البحرين صغيرة، وعدد ساكنيها قليل، لكن المشكلة تكمن في استمرار مشاكل تؤثر على المواطنين على رأسها تقلص الفرص شيئاً فشيئاً في سوق العمل، إضافة لدخول الأجانب وغيرهم على خط التنافسية في الحصول على الفرص المتاحة.
حينما نتحدث اليوم عن نسبة البطالة في دولة صغيرة مثل البحرين فإن المؤشر لا يعد إيجابياً إن كنا ندور حول الرقم نفسه سواء نقص بأجزاء من أعشار النقطة أو أكثر بنفس النسبة، التحدي يكون بتصفير هذا العداد وأن يكون الرقم صفراً دون أن يزيد عليه شيء.
ندرك تماماً محدودية الفرص، لكن الحلول لابد أن توجد، وتفضيل البحريني في جميع الوظائف الشاغرة هو مسألة لابد وأن تكون أساساً في كل شيء، وحتى التسهيل على العاطلين في الحصول على وظائف يجب أن يكون متسقاً مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم، إذ لا يعقل أن نستمر في الاستماع لمشاكل على غرار بطالة عدد من أصحاب الشهادات الجامعية في هذا التخصص أو ذاك.
الأولوية للبحريني المولود في هذه الأرض، هو معيار يجب أن يسود في كل عمليات التوظيف ومنح الأولوية. ما يثير الاستياء أن نجد بحرينيين يعانون، وبالأخص إن كانوا من حملة شهادات وممن اجتهدوا وثابروا. ليس مرضياً أبداً أن يحس البحريني بأنه غريب في أرضه، وليس مشجعاً إن كنا نرى طاقات تخرج للعمل خارج الوطن.
التحدي الأكبر اليوم هو بتسهيل حياة كل مواطن، ويتأتى ذلك بمنح المواطن فرصة حقيقية في العمل وخدمة الوطن. ولا يكون الحل بعرض أية وظائف هكذا ليقال بأن المواطن منح فرصة لكنه يرفضها، هذا خطأ جسيم، وكأننا نضع المواطن بين المطرقة والسندان، إما يقبل على مضض أو يقبل بالبقاء عاطلاً. ليس لهكذا أمور وأوضاع هو درس وتعب على نفسه وتخصص.
استثارني الموضوع وأنا أرى بعض البحرينيين ومنهم من حملة الشهادات يعملون في وظائف كنا نراها في فترات سبقت مخصصة للعمالة الآسيوية. وهنا لسنا نتعالى على «العمل» كمفهوم وممارسة، فالعمل ليس عيبا أبداً، لكن حينما لا يكون متسقاً مع المؤهلات ومجزياً في أجره مع السنوات التي مضت في التحصيل العلمي، كما لدينا خلل يجب إصلاحه، بل يجب الاجتهاد والعمل على وضع حلول له لا ترك الأمور على ما هي عليه.
من يقدر حجم هذه المشكلة يفرح ويتفاءل حينما يسمع أخباراً بدخول استثمارات جديدة للبلد، يسعد بالتأكيد حينما تعلن شركات مختلفة في تخصصاتها اتخاذها من البحرين مركزاً لها ما يعني أن هناك فرصاً عديدة لتوظيف البحرينيين.
لكن ما كان يؤثر على العملية وبعض المظاهر مازالت قائمة، هو استمرار عدم الاستقرار الأمني في البلد، هي الفوضى التي تزيد دون أن تتوقف ويوضع لها حد ونهاية. إذ بدلاً من تحول البحرين لبيئة مستقطبة للاستثمارات بالتالي فرص العمل، تتحول إلى بيئة طاردة، وهذه حال لا تسر أي شخص يريد الخير لبلاده وأهلها.
وعليه فإن ترسيخ دعائم الأمن باتت أولوية ملحة تعبنا منذ ثلاثة أعوام ونحن نؤكد عليها، إضافة لضرورة إعادة رسم سياسات التوظيف ومنح الفرص وتقديم الأفضل من الوظائف للبحرينيين عبر استبدال الأجنبي بالوطني وعبر تقديم المؤهلين ومنحهم الأولوية.
ندرك أنها تحديات، وندرك أن بعضها لا يتحقق إلا عبر جهود مضنية، وقد يواجه عراقيل ومعوقات، لكننا نقول مؤكدين بأن أي مجتمع يريد أن ينهض بنفسه وبأهله لابد وأن تكون له تحديات صعبة، ولابد أن ينجح في تجاوزها والتغلب عليها.
هنا يكمن التحدي الأكبر، عبر تمكين أبناء البلد، وعبر تهيئة الأجواء العملية الصحيحة لهم ليعملوا لتطوير هذا البلد، وليجدوا ضالتهم في فرص عمل وتنافسية متناسبة مع دراستهم ومؤهلاتهم وخبراتهم.
هل نحن أهل للتحدي، وهل نحن في مستوى التغلب على الصعوبات؟!
هذا سؤال يجيب عليه المعنيون بهذه الملفات ولا أحد غيرهم.