من أخطر ما قد تفرزه مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة بين أيدي البشر اليوم هو توهين وتضعيف الثقافة بكافة أشكالها وصورها، فالكثير من الأكاذيب والأضاليل والانحراف عن الحقيقة العلمية هي السمة الغالبة على محتويات ما تبثه تلكم المواقع الإلكترونية من مواد غير نظيفة وغير «مفلترة»، مما يعرض متلقيها لمفهومات ثقافية مربكة وربما قاتلة.
من قبل، كان الكتاب، هو المصدر الآمن للمعلومة العلمية على وجه التحديد، أما بعد أن انتشرت في أوساطنا كافة أشكال مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح القبض على الحقيقة العلمية والثقافية ليس أمراً سهلاً أبداً، إذ يمكن للعالم والمخترع والفيلسوف والمثقف أن يطرحوا نظرياتهم وافتراضاتهم العلمية في الكثير من القضايا بطريقة منهجية، في الوقت نفسه يستطيع الجاهل غير المتخصص كذلك من أن يطرح أفكاره في ذات المواقع المتاحة لكافة البشر، لكن بطريقة مضللَة، وهذا أخطر ما في الموضوع.
إن تزييف الحقائق العلمية والعملية من أبرز سمات ما يؤاخذ على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يشكل هذا العنصر الخطير تشتيتاً ملحوظاً للحقيقة، والأخطر منه هو إمكانية دخول الكثير من المتطفلين على العلم والثقافة إلى عالم الإفتاء العلمي والثقافي، خاصة وأنه لا يوجد في هذا العالم الافتراضي حقوق تحمي الملكية الفكرية.
إن تضليل الحقائق العلمية وغيرها من الحقائق التي تبني وعي المجتمعات البشرية تعني في النهاية تضليل المتفاعلين معها، وهذا النوع من التضليل يقع في يد الصغير قبل الكبير، وفي يد الجاهل قبل العالم، ولهذا الأمر تداعيات كارثية، لأن العمل بالجهل والتضليل على أنه حقائق علمية يعتبر أمراً بالغ الخطورة.
من الأمور التي تنساق خلف هذا الفهم وبشكل أشد خطورة من سابقه هو إمكانية انتشار الأفكار المتطرفة والخرافية على أساس أنها جزء من العقيدة والفكر الديني، ومن هنا يكون العمل وفق ما يروج له المبطلون على أنها حقائق دينية، يعتبر من أعقد القضايا التي تواجه المصلحين الحقيقيين للفكر الديني، خصوصاً أن العقيدة تأخذ في كثير من المناحي الحياتية جنبات قلبية تتصل بالجانب الوجداني للإنسان، مما يحفز هذا الأمر النفساني الناس البسطاء أن ينساقوا من جهة الحقائق الدينية إلى حيث الخرافات.
على الرغم من خطورة هذا الأمر؛ إلا أن هنالك ما هو أشد خطراً منه، وهو الذي ينتجه العالم الافتراضي، وبالخصوص مواقع التواصل الاجتماعي، ألا وهو ما يتعلق بالتحريض على الكراهية وأعمال العنف والإرهاب من خلال نمط تقليدي عقائدي يطرح بأشكال مختلفة، ربما يصل بالإنسان الساذج والبسيط من اعتباره نصاً مقدساً يجب العمل به.
النقطة الأخيرة، ربما يشارك في انتشارها الكثير من الجهلة، لكن بكل تأكيد هنالك جهات مغرضة تعمل وفق استراتيجيات طويلة الأمد من أجل إضعاف وعي الناس في سبيل السيطرة على عقولهم ومقدراتهم في آن واحد، وهذا الأمر المريب، وبدون أدنى شك، يبدو أن للدول المشبوهة يداً طولى في الترويج له وبصورة ممنهجة، والتي تعمل وفق استراتيجيات مدروسة ومحسوبة، وبكل تأكيد يظل «المتلقي الجاهل» أداة نافعة في يد من يدير اللعبة، سواء بالترويج لها عبر مجموعة من أعمال الجهل والخرافات أو بالعمل بها وفق قانون التغييب العقلي.
نحن هنا ننصح كافة الناس بالأخذ بالطرق العلمية والموضوعية في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يكون الدليل العلمي هو معيار قبول الأفكار، وأن يكونوا أكثر حذراً في تلقي المعلومة والترويج لها من دون التأكد من سلامة المصدر حتى لا نكون شركاء في الجريمة، جريمة ضرب العلم والحقيقة بالجهل والتزييف.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}