بدأ النواب الثلاثون الجدد والعشرة القدامى بالأمس أولى جلسات المجلس النيابي في الفصل التشريعي الرابع ببداية مشجعة.
نقول ذلك حتى يدرك بعض النواب أن الصحافة ليست «وحشاً» يتربص بهم أو «أسداً» يحاول نهشهم، بل الصحافة ستكون داعماً لهم إن هم التزموا بشعاراتهم ووعودهم التي قدموها للناس.
وعليه نقول إن البداية كانت مشجعة لأنها قدمت لنا موقفاً بالإجماع المطلق للنواب بشأن موضوع هام بالنسبة للمواطن شكل لهم «أرقاً» و»هماً» على امتداد سنوات، وبسببه حرمت كثير من العوائل البحرينية من الاستفادة من الخدمات الإسكانية بالأخص المعنية بالتحصل على الوحدة السكنية.
موقف النواب كان أمراً طيباً، خاصة وأنه يأتي ليسجل موقفاً نيابياً مع الشعب بشأن موضوع الفصل، والذي كانت فيه توجيهات سمو رئيس الوزراء واضحة وتكررت ثلاث مرات، وبالمقابل ردت وزارة الإسكان بأنها تعمل بأقصى سرعة لوضع التوجيه موضع التنفيذ.
ولتعذرنا الوزراة والقائمين عليها من أشخاص نكن لشخوصهم الاحترام، إلا أن المواطن تعتريه المخاوف، بل يدق جرس إنذار، حينما تكون هناك توجيهات واضحة ومباشرة لكنه يرى في المقابل «تفعيلاً بطيئاً» وكأن هناك مماطلة أو «حركة» ستحصل لا محالة.
يبني الناس موقفهم على شواهد، ونحن ككتاب عايشنا عن قرب موقفاً صريحاً كان معنياً بدراسة اشتراطات الإسكان بناء على توجيه من سمو رئيس الوزراء أيضاً في رمضان من عام 2011، وكانت النتيجة للأسف «سلبية» من قبل الوزارة في نهاية عمل البرلمان في فصله التشريعي الثالث، أي تقريباً في أبريل أو مايو من هذا العام حينما ردوا بـ»صعوبة» تطبيق الفصل. نعم قالوا إن العملية صعبة، رغم وجود التوجيه، ورغم وجود مطالبات نيابية متكررة، ورغم وجود استياء عارم من الناس.
أجزم بأن أعداداً كبيرة من المواطنين يتصلون بشكل يومي بالوزارة لمعرفة أين وصلت عملية «التفعيل السريع» لقرار فصل راتب الزوجين، وحتى الآن لم يخبرنا أي مواطن متواصل بشكل دائم مع الصحافة أنه تحصل على رد بشأن عملية الفصل، وأن كل ما يقال بأن «المسألة تحت الدراسة»! أقلها أتحدث عن المواطنين الذين هم متواصلون معي شخصياً.
ما حصل في مجلس النواب بالأمس، ونشكر عليه النواب ونخص زميلنا الكاتب الصحفي النائب الشاب حالياً محمد الأحمد على إصراره في تحريك الموضوع وحفز النواب على طرحه بقوة، وأعني موضوع الفصل واقتراح رفع الحد الأقصى لراتب الزوج، باعتبار أن هذا هو الموقف الذي يمكن أن يدفع المواطن للتفاعل مع حراك مجلسه المنتخب وأن يحس بأنه أخيراً هناك تحرك واضح مبني على «نبض» الشعب ومطالباته.
حينما قلنا أعلاه بأن التوجيهات صدرت وكان لها تكرار واضح، وأن الجهة المعنية قالت بأنها سـ»تسرع» في العملية ومازالت الوتيرة بطيئة، يكون التساؤل حينها عمن يأخذ للمواطن حقه، ومن يحرك الموضوع لأجل الناس؟! ليست الإجابة هي الصحافة أو كتاب الرأي، بل نحن سنثير الموضوع وسنطرح التساؤلات وسنورد الأمثلة، وأمام ذلك قد يتفاوت تفاعل الجهة المعنية، فقد ترد (وأغلب الردود ماء ورد) أو تتجاهل. لكن حينما يتحرك مجلس النواب، فإن هذا هو التحرك المطلوب، بحيث يسائل الجهة المعنية ويقف يدافع عن الناس.
بالأمس أجمع النواب على رفض طلب ممثل الحكومة بتأجيل مناقشة الموضوع، ووافقوا بالإجماع على تمرير مقترح مستعجل بشأن سرعة فصل راتب الزوج والزوجة واعتماد راتب ألف وخمسمائة دينار لراتب الزوج فقط وذلك لاستحقاق الوحدة السكنية. وبحسب ما نشره النائب الأحمد فإن هذا الموقف والإصرار على رفع سقف راتب الزوج بعد الفصل هو ما وردهم من أنباء بأن هناك توجهاً لدى وزارة الإسكان بالإبقاء على سقف الراتب بواقع 900 دينار حتى بعد الفصل.
شكراً لكم يا نواب على هذا الموقف، ولكننا سنحذركم من التهاون بعد هذه البداية القوية. إذ العملية لن تتم بهذه السهولة إلا إن بقي «إجماع» النواب ثابتاً، وإلا إن استمر ثبات النواب الأربعين أو غالبيتهم على رأي واحد دون أن يتغير. فقط نلفت انتباهكم ونقول: انظروا حينما اجمعتم على موقف، انظروا حينما وقفتم وقفة رجل واحد مع قضية تهم الناس، انظروا لردة فعل الناس وحتى الصحافة. هذا هو الثبات الذي نريده، وهذه هي المواقف التي تجعل لحراككم قيمة ولأفعالكم تقديراً، وهي ما ترفع ثقة الناس بالنواب الذين انتخبوهم، وهي التي تعزز النظرة الإيجابية للبرلمان بأنه مجلس الشعب ويعمل لأجل الشعب.
مثلما كنا ومازلنا وسنظل ننتقد أي أداء نيابي مخيب، فإننا سنكون معكم منصفين إن رأينا منكم مواقف تثبت بأنكم مع المواطن قلباً وقالباً. نريد منكم الثبات والمزيد من المواقف القوية، وإن جاء مسؤول أو وزير ليبرر بشأن أي موضوع ويتعذر بعجوزات وموازنات وغيرها، اسألوه أولاً عن المتسبب فيها، أسألوه عمن «لم يحس بالمواطن» حينما طلب إضافات مالية على الموازنة أو دخل استثمارات خاسرة أو هدر الأموال على مشاريع وفعاليات لم تفد الناس، اسألوه كيف يطالب الناس أن «يحسوا» بوجود عجز مالي ومتسببو العجز لم يحسوا بالناس؟!
خلاصة القول، أنتم خط الدفاع الأول عن المواطن، لستم محامي دفاع عن مسؤولي قطاعات الدولة. كونوا مع المواطن وسيكون المواطن معكم، أولستم أنتم من تعهدتم بأن تكونوا الصوت الصادق المعبر عنه؟!
نريد برلماننا قوياً وفاعلاً، نريده نبضاً للناس، بدايتكم مشجعة وتدعو للتفاؤل، لا تحيدوا عن هذا الخط وهذا الأداء، وسيكون التغيير للأفضل هو إنجازكم.