حضرت جانباً من ورشة عمل نظمتها المؤسسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني بعنوان «الإعلام في ظل النزاعات والاختلافات الفكرية - البحث عن أرضية مشتركة» والتي عقدتها بالتعاون مع «منظمة البحث عن أرضية مشتركة» العالمية، والتي اختتمت أعمالها أمس (الثلاثاء). الورشة هدفت إلى تعزيز دور الصحافيين والإعلاميين في المجتمع وزيادة مهاراتهم في كتابة الموضوعات غير المثيرة للانقسام الطائفي والبعيدة عن الصراعات وكيفية حلها والتغلب عليها والتشجيع على توطيد اللحمة الوطنية والحوار البناء.
ورغم أن العدد الذي حضر هذه الورشة المهمة كان قليلاً؛ فإن أغلبه كان من الشباب الذين تفاعلوا مع ما طرح من أفكار ووجدوا فيها فرصة للتعبير عن ألمهم العميق من هذا الانقسام الكريه في المجتمع، وانتقدوا بشدة لجوء بعض العاملين في الصحافة والإعلام إلى استخدام مفردات غريبة على مجتمع البحرين مثل بلطجية وخونة ومرتزقة وشيعة وسنة والمدعو وغيرها من المفردات السالبة والمؤذية.
المشاركون في الورشة توصلوا إلى أن عليهم ألا يكتفوا بعدم استخدام مثل هذه المفردات في كتاباتهم، وإنما أن يضغطوا أيضا على أصحاب القرار في صحفهم لمنع استخدامها وفرض استخدام مفردات وعبارات تسهم في إعادة اللحمة الوطنية وتعين كل طرف على تقبل الطرف الآخر، وأن يبتعدوا عن طرح الموضوعات التي تثير النعرات الطائفية وأن يطرحوا بدلاً عنها موضوعات لا تنحاز لطرف على حساب طرف وتوصل رسالة ملخصها أننا كنا جسماً واحداً وأنه لا بديل لنا عن أن نتعايش كما تعايش آباؤنا وأجدادنا.
الجميل في الشباب المشارك في الورشة أنهم عبروا عن رفضهم لكل هذا الذي يحدث منذ أربع سنوات وتسبب في شرخ كبير في المجتمع، والجميل أنهم تحدثوا في كثير من الموضوعات الحساسة وناقشوها باعتبارهم صحافيين مواطنين وليس كمنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك أو متعاطفين مع هذا الفريق أو ذاك. كان هم الجميع هو الوطن، ورأوا أن عليهم أن يدعوا الجميع إلى أن يكون همهم الوطن، والوطن فقط.
هذا الإحساس الجميل والتعامل الراقي بين أبناء البلد الواحد يتوفر في معظم أو ربما كل اللقاءات التي تجمع بين أهل البحرين من مختلف المستويات، وهو ما يؤكد أن الأرضية المشتركة التي يمكن الوقوف عليها متوفرة ويمكن البناء عليها، ويكفي أن الشباب الواعي يرفض هذا الذي يحدث لنقول إن مجتمع البحرين رافض لهذا الذي تعرض له وإنه يعتقد أن الاستمرار فيه يدخل في باب الإجرام والإساءة إلى المستقبل.
رفض الشباب لهذه التفرقة وهذا الانشقاق ورفضه لتلك المفردات القميئة التي انتشرت بشكل بشع يبشر بأن فرصة الخروج من المأزق الذي صرنا فيه كبيرة، وأننا قاب قوسين أو أدنى من الفصل الأخير من هذه الرواية المزعجة. وإحساس الشباب الذي يحمل راية التنوير ويمتلك الأدوات المؤثرة في المجتمع بأن ما حدث ولا يزال بعضه مستمراً لا يمكن أن يفسد الود بيننا يوفر الأمل الذي نحتاجه، ويدفع نحو الاعتقاد بأن هذا الشعب الجميل سيظل جميلاً مهما حدث وأن كل محاولات شق صفوفه تبوء بالفشل.
دور مساند لدور الصحف ووسائل الإعلام والعاملين فيها يمكن أن يقوم به مختلف أفراد المجتمع، وعلى الخصوص علماء الدين، للاستفادة من الأرضية المشتركة مثل استغلال المناسبات الاجتماعية بأنواعها في إعادة اللحمة الوطنية، حيث مشاركة الأفراد أفراح وأحزان بعضهم البعض في هذه الفترة يمكن أن يكون لها تأثير موجب، فمثل هذه المشاركات من شأنها أن تصفي النفوس وتقوي الأرضية التي يقف عليها الجميع، بينما تهتم الصحف ووسائل الإعلام بتأكيد هذا التوجه من خلال تغطيته وبيان مردوده الإيجابي.
تقدير كبير تستحقه المؤسسة الوطنية للمصالحة والحوار المدني لتنظيم هذه الورشة المهمة والتي تصب في تحقيق أهدافها