بين المرسوم الذي أعلنته وزارة الداخلية بشأن إسقاط الجنسية عن 72 شخصاً وتضمن شرحاً للأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار؛ وبين الخبر الذي بثته فضائية «العالم» الإيرانية والفضائيات التي تدور في فلكها، عراقية ولبنانية ولندنية، فرق يستوجب السؤال. حيث المرسوم أوضح الأسباب بدقة، ووزارة الداخلية قالت إنه صدر في إطار الإجراءات التي تتخذها الوزارة للحفاظ على الأمن والاستقرار، بينما الخبر الذي بثته تلك الفضائيات السوسة ذكر أن سحب الجنسيات كان بسبب خروج المشمولين بالقرار في مظاهرات ومسيرات احتجاج، وألمحت إلى أنه جاء كرد فعل على المطالبة بإطلاق سراح أمين عام الوفاق.
منطقاً لا يمكن قبول فكرة أن الحكومة يمكن أن تتخذ قراراً بسحب الجنسية من مواطنيها بسبب خروجهم في مسيرة أو مشاركتهم في اعتصام، فأياً كان نوع تلك المسيرة وذاك الاعتصام فإنه لا يوجد المبرر لاتخاذ مثل هذا القرار، والسبب بسيط للغاية؛ وهو أنه لا يوجد في القانون عقوبة تطال الأفراد بسبب مشاركتهم في مثل تلك الأنشطة، عدا أن الدستور يكفل حق التعبير.
هذا منطقاً، أما واقعاً فلا يكاد يمر يوم على البحرين منذ خمسة عشر عاماً من دون أن يشهد مسيرة أو مظاهرة أو اعتصاماً أو غير ذلك من وسائل التعبير عن المواقف، فلو كان سحب الجنسيات بسبب الخروج في مظاهرات فإن هذا يعني أنه لن يبقى من شعب البحرين من يتمتع بالجنسية البحرينية إلا القليل من المواطنين الذين تمنعهم ظروفهم الصحية من المشاركة في صور التعبير تلك.
ما ذكرته فضائية «العالم» الإيرانية وتوابعها لم يكن غريباً، فهذا هو أسلوبها الذي يعرفه العالم أجمع، فهي تعرف جيداً أسباب سحب الجنسيات، والأكيد أنها قرأت المرسوم وما ذكرته وزارة الداخلية في البحرين عنه، لكن عز عليها أن تمر مثل هذه الفرصة من دون أن تنفث سمومها وتواصل مشوار الشحن ضد البحرين وقيادتها وحكومتها، فأوقعت نفسها في خانة صعبة وكشفت عن سوء نواياها وعن أساليبها الخبيثة.
لو رجعت هذه الفضائيات السوسة إلى المرسوم وقرأته جيداً لعرفت أن من أسباب سحب الجنسية عن أولئك أنهم قاموا بالإضرار بمصالح المملكة، وأنهم ناقضوا واجب الولاء لها وأنهم متهمون بالتخابر مع دول أجنبية، ومتهمون بتجنيد عناصر إرهابية، ومتهمون بتمويل إرهابيين وبالانتماء لمنظمات إرهابية للقتال في الخارج، ومتهمون بتشويه صورة الحكم والتحريض ضده، ومتهمون بتنفيذ تفجيرات لزعزعة الأمن، وبالسعي وراء تأسيس جماعة إرهابية وتدريبهم، ومتهمون بالتحريض والترويج لتغيير النظام في البلاد، ومتهمون بتهريب الأسلحة وبالانضمام إلى خلايا إرهابية، ومتهمون بالإساءة إلى الدول الشقيقة.
هذا يعني أن سحب الجنسيات لم يكن نتيجة السبب الذي اهتمت تلك السوسة وشقيقاتها بالتركيز عليه، أي أن القرار لم يكن بسبب أن المشمولين به خرجوا في مظاهرة احتجاج، فهذا أمر ربما كان سهلاً أن يحدث في إيران؛ لكنه لا يمكن أن يحدث في البحرين حيث القانون هو السيد.
معظم الذين سحبت جنسياتهم تعرفهم فضائية «العالم» الإيرانية جيداً وتعرف مخالفاتهم، وتعرف أنها تعينهم على كل ذلك، فهي تستضيفهم يومياً على الهواء مباشرة ليسيئوا إلى «وطنهم»، وهي تحرضهم وتدعمهم بألف طريقة وطريقة، وهي تعرف جيداً أن مصيرهم هو هذا الذي صاروا فيه.
سؤال؛ هل إيران التي تنتقد عبر فضائياتها ومسؤولييها قرار سحب الجنسيات من أشخاص قاموا بكل تلك الممارسات المسيئة للوطني مكنها ألا تتخذ القرار نفسه مع مواطنيها لو أنهم اتهموا ببعض تلك الاتهامات؟
الواضح والأكيد هو أنها لن تكتفي بسحب جنسياتهم فقط ولكنها ستقوم بسحب أرواحهم أيضاً.